ملخص المحاضرة: مقدمات في السياسة الشرعية المقدمة الأولى: مفهوم السياسة الشرعية عند المتقدمين عند استقراء مفهوم «السياسة الشرعية» عند المتقدّمين؛ سنلحظ أنه لم يكن مستعملًا بطريقة واحدة عند الفقهاء، فله عدّة إطلاقات ومقاصد، منها: الأول: يُطلق هذا المفهوم بمعنى عام يشمل كلّ إصلاح للخلق وإرشاد لهم في أمر الدنيا والآخرة. قال الغزالي: «السياسة: استصلاح الخلق بإرشادهم إلى الطريق المنجي في الدنيا والآخرة، فهي من الأنبياء على الخاصة والعامة في ظاهرهم وباطنهم، ومن السلاطين والملوك على كلٍّ منهم في ظاهره لا غير، ومن العلماء وورثة الأنبياء الخاصة في باطنهم لا غير»، فهذا المفهوم العام شائع عند المتقدّمين. الثاني: قصر المفهوم على تصرّفات الحاكم في إدارة شؤون الحكم، وهذا الاستعمال الأكثر، وهو مقصود من كتب بــ«الأحكام السلطانية»، أو «الأمارة»، أو «التدبير»، أو «السياسة الشرعية» كما في كتاب ابن تيميّة - رحمه الله - الثالث: يُطلق ويُراد به: تصرفات الحاكم المصلحية التي تتعلق باجتهاد فيها في إدارة شؤون الدولة، فيما هو ليس من الأحكام الشرعية، وهذا الإطلاق هو الأقرب لاستعمال المعاصرين لمفهوم «السياسة الشرعية». الرابع: يُطلق ويُراد به: العقوبات والتعاذير، وهو بهذا المعنى خاص بالمذهب الحنفي. الخامس: يُطلق ويُراد به: البيّنات الموصلة إلى الحقّ، وهذا الإطلاق يذكره ابن القيم في «الطرق الحكمية»، وابن فرحون في «تبصرة الحكام»، ولا يقصدون بهذا المعنى تعريف السياسة الشرعية، وإنما هو منها. المقدمة الثانية: مفهوم السياسة الشرعية عند المعاصرين إذا لم يكن مفهوم «السياسة الشرعية» محررًا على معنى واحد؛ لأنهم لم يكونوا حريصين على ضبط المفهوم؛ فإنّ الوضع اختلف كثيرًا في الكتابة المعاصرة، فهناك انضباط نسبي في هذا المفهوم، وجمهور الكتابات المعاصرة يكاد ينحصر المفهوم فيها في مفهوم محدد، نعم؛ يختلف الكُتّاب في تعريفه، لكنه يرجع إلى ثلاثة معانٍ أساسية لا بد أن تُذكر فيه، وهي: الأول: تدابير متعلقّة بالشأن العام. الثاني: تتعلق بالمصلحة. الثالث: لا نصّ فيها. س: ما المراد بــ«لا نصّ فيها»؟ الجواب: هذا يشمل أمور: الأول: المباحات كلّها، والأصل في أكثر الأمور الحياتية: الإباحة، فالتنظيمات والقوانين التي تُشرع لترتيب حياة الناس؛ أغلبها في دائرة المباح. الثاني: التخيير؛ فالشريعة - أحيانًا - لا تضع الحكم مباحًا، لكنّها تخيّر الحاكم بين عدّة خيارات، فهذا ضمن السياسة الشرعية؛ لأنّ هذا التغيير يرجع للحاكم. مثال ذلك: في حكم قاطع الطريق جاء قول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَ ٰۤؤُا۟ ٱلَّذِینَ یُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَیَسۡعَوۡنَ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَسَادًا أَن یُقَتَّلُوۤا۟ أَوۡ یُصَلَّبُوۤا۟ أَوۡ تُقَطَّعَ أَیۡدِیهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم مِّنۡ خِلَـٰفٍ أَوۡ یُنفَوۡا۟ مِنَ ٱلۡأَرۡضِۚ﴾ [المائدة ٣٣] ، فهذه العقوبات المحددة لهذه الجريمة، والفقهاء اختلفوا على قولين في إيقاع هذه العقوبات: - ذهب الجمهور إلى تحديد عقوبة لكلّ جُرم، فللقاتل عقوبة، وللسارق عقوبة، ولمن يُرهب الناس عقوبة. - وذهب المالكية إلى أن هذه العقوبات الأربع للتخيير؛ فيختار منها الحاكم بحسب المصلحة. فــ«السياسة الشرعية» هنا تدخل على مذهب المالكية. الثالث: ما جاء فيه نصٌّ متعلّق بمصلحة أو عرف وقد تغيّر؛ فإن الحكم يتغيّر. مثال الحكم المرتبط بالعرف: أ- العاقلة، وهم الذين يسندون الجاني في الجناية الخطأ؛ فيدفعون عنه الدية، في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت عُصبة الشخص وأقاربه هي مَن تدفع الدية، وهذا مذهب الحنابلة والشافعية، أما الحنفية والمالكية فيرون أن حكم العاقلة مبني على عُرف فإذا تغيّر تغيّر الحكم، وعليه؛ فلا يلزم أن العاقلة يكونون هم العصبة، وإنما هم الذين ينصرون الشخص؛ فإذا حصلت النصرة؛ وجبت عليهم الدية، وأصبحوا من العاقلة، وعليه؛ فإذا كان العرف أن النصرة لا تكون من الأقارب ؛ فلا يجب على الأقارب دفع الدية. ب- هل الأصل في المسلمين العدالة حتى يثبت الجرح فيهم، أو العكس؟ ذهب بعض العلماء إلى أنّ العدالة هي الأصل في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، لكن لمّا تغيّر الحال وكثر في الناس الفسادُ والكذب؛ تغيّر الحكم، فصار على خلاف ما كان في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -. تتمة👇
مثال الحكم المتعلق بالمصلحة: أ- التسعير، فعندما غلَت الأسعارُ في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء الصحابة إليه، وطلبوا منه أن يُسعّر، فأبى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن هذا أخذ بعض العلماء منع التسعير مطلقًا، وذهب كثير من العلماء إلى أنّ الحديث ليس فيه منع للتسعير مطلقًا، وإنما فعل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ذلك لعدم وجود مصلحة من التسعير، وعليه؛ فإذا صارت هناك مصلحة من التسعير؛ فلا حرج في ذلك. ب- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا اشْتَدَّ الحَرُّ، فأبْرِدُوا بالصَّلاةِ، فإنّ شِدَّةَ الحَرِّ مِن فَيْحِ جَهَنَّمَ»، أخذ العلماء من هذا أن الإبراد سنة؛ لأنه أقرب للخشوع، لكنّ العلماء لاحظوا أن الإبراد له سبب ومعنى، وهو: إيذاء المصلّي في الحرّ، فذهب الشافعية إلى أنّ هذا خاصّ بالبلاد الحارة وبالمسجد الذي يقصده الناس، وذهب الحنفية إلى أنّه متعلّق بالصيف دون الشتاء، ففقه العلماء ينظر في المصلحة المقصودة من النصّ؛ فإذا تغيّرت المصلحة لا يتمسّكون بالنص مع زوال المصلحة. والتغيير الذي بسبب العرف أو المصلحة كثير في اجتهادات الفقهاء، أما في النصوص فهو قليل ومحدود. قال القَرَافي: «فَهَذِهِ قَاعِدَةٌ لَا بُدَّ مِنْ مُلَاحَظَتِهَا وَبِالْإِحَاطَةِ بِهَا يَظْهَرُ لَكَ غَلَطُ كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْمُفْتِينَ فَإِنَّهُمْ يُجْرُونَ الْمَسْطُورَاتِ فِي كُتُبِ أَئِمَّتِهِمْ عَلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ، وَذَلِكَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَهُمْ عُصَاةٌ آثِمُونَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرُ مَعْذُورِينَ بِالْجَهْلِ لِدُخُولِهِمْ فِي الْفَتْوَى وَلَيْسُوا أَهْلًا لَهَا» مثال ذلك: في بعض كتب الفقهاء يُذكر أنه لا يجب على الزوج أن يدفع كلفة العلاج، وأن هذا ليس من النفقة، لكنّ هذا الحكم متعلّق بعرف، فلم يكن في زمانهم أن من أسس المعاشرة بالمعروف: التكفّل بعلاج الزوجة، نظرًا لسهولة ويسر العلاج في ذاك العرف. فائدة: بعض العلماء يرى أن التعبير بــ«تغيّر الفتوى» أولى من «تغيّر الحكم». قاعدة مهمة: «أيّ اجتهاد يدّعي تغيّر حكمٍ بتغيّر عُرفه أو مصلحته لا بد أن لا يعود على الأصل بالنقض». الرابع: الحُكم الثابت الذي عُورض بأقوى منه، ومن ذلك إذا دخلت: «الضرورة»، أو «الحاجة»، أو«العجز»، أو «مصلحة»، ويحسن التنبيه هنا إلى أنّ هذه المراعاة ليست هي مراعاة لشيء خارج النصّ، وإنما مِن داخله.
المقدمة الثالثة: حدود ما يدخل في «السياسة الشرعية» من خلال المقدمة السابقة يظهر لنا أن هناك أمورًا لا تدخل في السياسة الشرعية، منها: أوّلًا: الأحكام القطعية؛ كتحريم الزنا، والخمر، وقسمة المواريث، وقد تدخل السياسة الشرعية على الأحكام القطعية من جهتين: أ- الإجراءات التنفيذية. ب- إذا دخل على الحكم متغيّرات مؤثّرة. ثانيًا: العبادات المحضة، إلّا إذا ارتبط شأن من العبادة بمصلحة عامة فهنا تدخل السياسة الشرعية، ومثال ذلك: تنظيم أوقات إقامة الصلاة. ثالثًا: المقادير، والأنصبة، والحدود الشرعية. رابعًا: الأحكام الفقهية في غير الشأن العام. خامسًا: فتوى الأحكام السلطانية؛ لأن «السياسة الشرعية» تصرّف من الحاكم، وفيها إلزام، وهذه الفتوى ليس فيها إلزام، هذا ما ذهب إليه بعض المعاصرين، ويخالفهم آخرون، ويرون أن هذه الفتوى وإن لم يكن فيها إلزام؛ إلّا أنّها مادة الإلزام. سادسًا: الولايات الخاصة؛ كولاية الأب على أولاده الصغار.
المقدمة الرابعة: أوصاف التأثير في «السياسة الشرعية» يجب أن نكون واعين فلا نستغرق في التفاصيل عن إدراك المؤثّرات في «السياسة الشرعية»، فما الذي يعطي هذا المفهوم أهميّة ومكانة؟ عند التأمل في هذا المفهوم نجد أن أهميّته تكمن في وصفين: الأول: الإلزام. السياسة الشرعية فيها إلزام، وهذا يُغيّر الأحكام، فقد يكون الفعل مباحًا؛ فينتقل للمنع بسبب الإلزام والتحريم، وقد يكون مباحًا فيُصبح واجبًا، وهذا كلّه لسلطة الإلزام التي فيها مصلحة شرعية. الثاني: المتغيّرات المتعلّقة بالواقعة. فقد يأتينا حكم يكون متعلّقًا بأوصاف ثم تتغير في واقع ثانٍ، كأن تأتي ضرورة أو حاجة، فالسياسة الشرعية لا تتحدّث عن أحكام واضحة المعاني، وإنما في أحكام يتخيّر الإنسان فيها بين واجب ومحرم، فإن فعل وقع في محرّم، وإن ترك وقع في ترك واجب، هنا تدخل السياسة الشرعية لاختيار الموقف الصحيح، وعليه؛ فإن هناك أمرين يدخلان في السياسة الشرعية مما سبق ذكره: أ- فتاوى العلماء لا بدّ أن تدخل في السياسة الشرعية؛ لأنّ الوصف المؤثر في السياسة الشرعية متحقق فيها، وهو: التغيّر الذي يعتمد على اجتهاد الفقهاء. ب- الولايات الخاصة؛ فالأب - مثلًا - له سلطة الإلزام على ولده الصغير، فلو كان عنده أموال فلا يجوز لأحد أن يبيع ويشتري إلّا بإذن وليه.
المقدمة الخامسة: زوايا النظر المعاصر في السياسة الشرعية من المُلاحظ في الكتابات المعاصرة أن مفهوم السياسة الشرعية - وإن كان منضبطًا نسبيًا من حيث التعريف - إلّا أنّ تعاطي الكاتبين مع السياسة الشرعية لا يسير حول طريقة واحدة؛ فهناك أربع زوايا نظر للسياسة الشرعية: الأولى: النظر إليها على أنّها آلية نظر واجتهاد في الأحكام ، فالسياسة الشرعية عنده هي آلة نظر تؤثّر بالأحكام إمّا بالإلزام، أو بتغيّر الأحكام، وهي أكثر ما تكون في تصرّفات الحاكم، وهذا هو النظر الراجح في السياسة الشرعية؛ لأن الوصف المؤثر فيها: أنّها آلة اجتهاد. الثانية: النظر إليها على أنّها علم، فالسياسة الشرعية تشمل كلّ ما فيه تدبير لشؤون الدولة في قضاياها الداخلية والخارجية، فيدخل في ذلك المسائل المتعلقة بالنظام السياسي، والاقتصادي، والجنائي، والدولي. وانتُقد هذا النظر بأنّه أبعد الوصف المؤثر، فهو يُضعف مفهوم السياسة الشرعية، فكون أبواب السياسة مجموعة في مكان واحد لا ميزة في ذلك، بل لا فرق بينها وبين باب البيوع - مثلًا -. الثالثة: النظر إليها على أنّها متعلّقة بالنظام السياسي. الرابعة: النظر إليها على أنها متعلّقة بالاستصلاح، وهذا النظر شبيه بالإطلاق المتقدّم للسياسة الشرعية، وهذا مُلاحَظ في إطلاقات الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله -.
المقدمة السابعة: العلاقة بين الاجتهاد المصلحي والنصّ هذه المقدمة أساسية؛ لأنه سبق الكلام على أنّ السياسة هي: اجتهاد في النظر في المصالح، وتطبيقها على الواقع بما لا يُخالف الشريعة، فلا بد أن توجد عناية بمقارنة هذه المصالح مع النصّ، ويمكن تلخيص العلاقة بينهما كما يلي: أوّلًا: ما فيه نصّ قطعي؛ فلا علاقة فيه للسياسة الشرعية، والنص القطعي يشمل: «قواعد الدين وأصوله»، و«الأحكام ذات الدلالة القطعية»، و«المقادير والأنصبة المحددة» ثانيًا: ما لا نصّ فيه، وهذا سبق الحديث عنه. ثالثًا: ما فيه نص محتمل، فهذا تدخله السياسة الشرعية. مثال ذلك: أن إقامة الجمعة لا يُشترط لها إذن الحاكم عند جمهور الفقهاء، لكنّ هذه الشعيرة لأنها ارتبطت بشأن عام، وقد يحصل فيها اختلافات وخصومات؛ رأى كثير من المعاصرين أنّ هذا يُرجع فيه للتنظيم. رابعًا: النصّ الذي عُورض بنص آخر تدخله السياسة الشرعية. تنبيه: عند الحديث عن التعارض فهو لا ينحصر في حلال يُقابل حرام، وإنما قد يكون بوجود واجب يُعارضه محرّم، فالإنسان إن فعله وقع في المحرم، وإن تركه يكون قد ترك واجبًا. المقدمة الثامنة: في ذكر شروط السياسة الشرعية الأول: ضرورة الاتّفاق مع مقاصد الشريعة وأصولها الكلية. الثاني: عدم مناقضة الدليل التفصيلي مناقضة صريحة. الثالث: تحقيق المصلحة الشرعية. المقدمة التاسعة: علاقة «السياسة الشرعية» بالمصطلحات المتشابهة الأول: مصطلح «الفقه»، فالفرق بينه وبين «السياسة الشرعية» كما يلي: أ- أن السياسة الشرعية جزء من الفقه، غير أنّ الفقه مجاله أوسع. ب- الفقه يشمل الأحكام القطعية وغيرها، أما السياسة الشرعية فتتعلق بالأحكام الاجتهادية. جـ- الفقه يشمل أمر الناس العامّ والخاصّ، أما السياسة الشرعية فقاصرة على الشأن العام. د- الفقه يشمل العلم والعمل، أما السياسة الشرعية فتشمل العمل فقط. الثاني: مصطلح «النظام» هذا المصطلح جزء من السياسة الشرعية إذا التُزم بالأحكام الشرعية، فالأنظمة المعاصرة هي اجتهاد في تحقيق مصالح الناس في جانب معيّن. الثالث: مصطلح «النظام السياسي»، النظام السياسي هو أحد أبواب السياسة الشرعية، فهو أحد المجالات التي يكثر فيها الاجتهاد في السياسة الشرعية. الرابع: مصطلح «المصلحة المرسلة»، هذا المصطلح يُراد به: المصالح التي لم يأتِ نصٌّ باعتبارها، فهي مسكوت عنها، لكنها قد تدخل في قواعد الشريعة العامة، فهي معتبرة، ولو لم يأت نصٌّ فيها. والعلاقة بين «المصلحة المرسلة»، و«السياسة الشرعية» كما يلي: أ- أن المصلحة المرسلة من أصول السياسة الشرعية. ب- أن المصلحة المرسلة تدخل في الشأن العام والخاص، أما السياسة الشرعية فهي داخلة في الشأن العام.
المقدمة العاشرة: أبواب السياسة الشرعية وموضوعاتها الأول: النظام السياسي والدستوري (نظام الحكم). الثاني: النظام القضائي. الثالث: النظام المالي والاقتصادي؛ لأن التعاملات المالية والاقتصادية تفرض تدخل الدولة لضبط حدود تصرفات الناس. الرابع: النظام الجنائي. الخامس: النظام الدولي. السادس: الجانب الأسري. السابع: الجانب العبادي. وإذا تعاملنا مع السياسة الشرعية بهذه الأبواب؛ فنكون قد نقلناها إلى علم مستقل، أما إذا نظرنا إليها باعتبارها آلية نظر؛ فليس هناك فرق بين مسألة فقهية أو قضائية، أو غير ذلك. المقدمة الحادية عشر: ثمرات السياسة الشرعية الأولى: مراعاة المتغيّرات المعاصرة، فلدينا متغيّرات معاصرة كثيرة تفرض العناية بهذا الباب، فالمعاصرون استحضروا التحديات الكبيرة المعاصرة التي تفرض وجود اجتهاد ليُقدّم للناس خطاب شرعي صحيح يحفظ الناس من الانحراف. الثانية: الاستغناء عن السياسات والقوانين الوضعية في تدبير شؤون الأمّة. الثالثة: تحقيق المصالح ودفع المفاسد. المقدمة الثانية عشر: مشروعية العمل بالسياسة الشرعية السياسة الشرعية أمر مشروع متفق عليه، وليست من المُحدثات المعاصرة، وليست اجتهادًا خاطئًا، والتعبير بــ«مشروعية العمل بالسياسة الشرعية» أدقّ من التعبير بــ«حجية العمل بالسياسة الشرعية»، فهي ليست دليلًا ليُقال بحجيّتها، وإنما هي آلية نظر واجتهاد معتبر، وعليه؛ فالمطلوب منا إثبات مشروعية هذه الطريقة، ومثل ذلك: «الاجتهاد» فلا يصح أن يقول أحدٌ: هذا العمل مكروه بدليل الاجتهاد. أدلة السياسة الشرعية: تنبيه: يُلاحظ وجود طريقة غير دقيقة في بحث أدلة السياسة الشرعية، وهي: الاستدلال بالخاص على العام، وهذا لا يصحّ. السياسة الشرعية مصطلح مركب وله عدّة مفاهيم مجتمعة، ولا يصح الاستدلال على السياسة الشرعية بذكر دليل على سد الذرائع - مثلًا -، ثم دليل على رفع الحرج، وهكذا؛ لأن كلّ واحد من هذه الأشياء يدلّ على شيء واحد في السياسة الشرعية، ولا تدل عليها ككلّ، وعليه؛ فالواجب: جمع الأدلة المتشابهة ووضعها في أصل يُعبّر عن كلّ السياسة الشرعية، وعليه؛ يُمكن ترتيب أصول أدلة السياسة الشرعية كما يلي: الأول: الأصول الاستدلالية الشرعية العامة؛ كــ«رفع الحرج»، و«سد الذرائع»، و«المصلحة المرسلة»، و«العُرف»، و«الاستحسان». الثاني: القواعد الشرعية الكليّة الدالّة على «العدل»، و«الإحسان»، و«التعاون»، و«الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، فالسياسة الشرعية مبنية على هذه القواعد. الثالث: السياسة الشرعية في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فما ورد في سيرته من تفاصيل السياسة الشرعية معتبر؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - مشرّع. الرابع: اتفاق الخلفاء الراشدين على العمل بالسياسة الشرعية. الخامس: أن العمل بالسياسة الشرعية هو عمل بمقاصد الشريعة، فالشريعة جاءت لــ«جلب المصالح ودرء المفاسد»، و«مراعاة اختلاف الأحوال»، و«مراعاة الأحوال الاستثنائية» وهذا متحقق في السياسة الشرعية. السادس: الشواهد من الوحي الدالّة على اعتبار العمل بالسياسة الشرعية، مما يُستخرج من مجموعه أصل كليّ. المقدمة الثالثة عشر: خصائص السياسة الشرعية مصطلح «الخصائص» هو ابتكار عصري ذكيّ، دافعه: تقديم مميزات الشريعة ومحاسن الدين؛ لتعميق الولاء والانتماء للشريعة في مواجهة المدّ التغريبي، وهذه الخصائص تحقق هدفين: الأول: تعميق حب الدين، وتعزيز اليقين به. الثاني: وضع الحدود الفاصلة بين الدين الإسلامي وغيره من الأنظمة. تنبيهات متعلقة بــ«خصائص السياسة الشرعية»: الأول: أن الكتابات فيها ما زالت تحتاج إلى مزيد من التطوير والتجويد؛ لأنها ما زالت تدور حول عموميات يكررها الكُتّاب. الثاني: خصائص السياسة الشرعية متعلقة بخصائص الإسلام نفسه، ومن ذلك: الربانية، والشمول، والكمال، والعدل، والمبدئية، ومن الملاحظ في هذه الخصائص أنها متعلقة بكل نظام في الإسلامي، وعند الحديث عن خصائص السياسة الشرعية فإن النظر سيكون متّجهًا للنظام السياسي في الإسلام، وليس للاجتهاد. الثالث: هذه الخصائص تتميز بالعمومية، وعليه؛ فهي ليست دليلًا، ولا قاعدة في الاستدلال والنظر الفقهي؛ لأن النظر في الأحكام التفصيلية يتطلب قواعد أكثر تفصيلًا ودقة وعمقًا. الرابع: هذه الخصائص تعتمد على الأصل، ومن المهم كشف أثر هذا الأصل في الواقع. مثال ذلك: نقول: «تتميز الأحكام في الشريعة بأنها ربانية»، ومن أثر ذلك في الواقع: أ- فرض الثبات فلا يستطيع أحد تغيير الأحكام. ب- أن المفاهيم الغربية صارت سائلة بسبب ضياع الدين. ونحو ذلك من إظهار المحاسن والأثر في الواقع لكلّ أصلٍ من الأصول، وعليه؛ فخصائص الإسلام هي محاسن الإسلام في التصوّرات الكليّة، أما التطبيق الواقعي فيحتاج إلى اجتهاد وعمل وتفعيل للأصول في الواقع، وإذا لم يحصل ذلك فسيكون عند المسلمين أصول جميلة، وإن كان تطبيقهم فاسدًا. الخامس: هذه الخصائص لا تعني تدمبر كلّ ما في النُظُم الأخرى، فالحديث عن الخصائص المراد منه: تثبيت شرف هذه الأصول، دون تدمير لما في غير النظام الإسلامي.
المقدمة الرابعة عشر: مركزية الاجتهاد في السياسة الشرعية السياسة الشرعية تعمل في واقع متغيّر، وفي اشتباك مصالح ومفاسد، وهذا يفرض ضرورة وجود اجتهاد قوي يملك أدوات عالية؛ ليُقدّم منهجًا شرعيًا صحيحًا، والتقصير في هذا الاجتهاد من أسباب تحرّك المرجعيات الأخرى؛ لذلك نجد عند الفقهاء المتقدمين نقدًا للتقصير الذي يقع عند بعض الفقهاء في الاجتهاد الذي يُورث وقوعًا في الظلم أو الغلط. (أنموذج السياسة والشرع). الاجتهاد في السياسة الشرعية يقوم على فقه دقيق في التراث، وفهم عميق للواقع، فمثلًا: ينبغي على من أراد الاجتهاد في المعاملات المعاصرة أن يكون مُلمًّا بالجانب الاقتصادي وأدواته المعاصرة، وكلّ ما يرتبط بذلك. س: كيف تُعرف المصلحة؟ الجواب: أ- العقل. ب- الشرع. جـ- العادات الاجتماعية. د- الخبرة والتجربة والعلم، وهذا يفرض ضرورة العناية بالعلوم المعاصرة. أثر إدراك المجتهد في السياسة الشرعية للواقع ومتغيّراته: لهذا الإدراك أثر كبير في تحسين تصوّره الاجتهادي في أمور، منها: أ- الاستدلال، ومن أمثلة ذلك: «المعارضة السياسية المعاصرة» فيها أنموذجان من الاستدلال: - مَن يقول بحرمتها مستدلًا بالأدلة الدالة على حرمة الخروج على الحاكم، والمنازعة، ونحو ذلك. وهذا الاستدلال خاطئ؛ لأن المعارضة السياسية بمفهومها السياسي ليست خروجًا على الحاكم؛ لأنها مكفولة في النظام، وهذا لا يعني القول بإباحتها، ولكن يُحسّن التصوّر. - من يقول بحرمتها مستدلًا بالأدلة الدالة على الأمر بالاجتماع على الحاكم، وترك المنازعة عليه، وأن هذه المعارضة وإن كانت مكفولة في النظام؛ إلا أنها تخالف الشريعة. ب- الحكم على الأشياء بالإباحة والتحريم ونحو ذلك، مثلًا: «الفصل بين السلطات» فيه أنموذجان: - مَن يقول: إن الإسلام فصل بين السلطات قديمًا، وقد سبق الدولة الحديثة في ذلك. - من يقول: إن الفصل بين السلطات حرام؛ لأنه لم يكن موجودًا في الإسلام. وكلاهما مخطئ، ولو أنهم حسّنوا تصوّراتهم لوجدوا أن الفصل بين السلطات بطريقته المعاصرة هي طريقة حديثة، وما كان موجودًا في السابق ليس فصلًا بالمعنى المعاصر. جـ- تحقيق المناط، فمثلًا: «البرلمانات المعاصرة» هل هي شورى؟ أم ماذا؟ مَن يدرك الأدوات المعاصرة يستطيع أن يحكم عليها بأنها ليست من قبيل الشورى الموجودة في الفقه الإسلامي، وإنما هي من قبيل تقييم السلطة. د- مراعاة المتغييرات. المقدمة الخامسة عشر: مصادر السياسة الشرعية ينتقد بعض المعاصرين الفقهاءَ بأنّهم قصروا في عنايتهم بالاجتهاد السياسي بحالته المعاصرة، وهذا النقد فيه خلل من وجهين: الأول: تقصير الناقدين في البحث عن مظانّ السياسة الشرعية، فلا يصح الاقتصار على عناوين الكتب فقط. الثاني: أنهم يطالبون الفقهاء بشيء لم يكن في زمانهم. وإذا أردنا أن نفصل في المجالات الفقهية التي هي مظانّ السياسة الشرعية؛ فسنجد مادة كبيرة، فمن ذلك: أ- الكتب المفردة بالأحكام السلطانية. ب- الكتب المتعلقة بالقضاء. جـ- الكتب المتعلقة بالجهاد. د- الكتب المتعلقة بتصرفات الحاكم والسياسة. هـ- الكتب المتعلقة بالأموال. و- الكتب المتعلقة بالخَرَاج. ز- الكتب المتعلقة بأدب الملوك. حـ- الكتب المتعلقة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحسبة. وغير ذلك من المظانّ. المراجع في السياسة الشرعية: يمكن تقسيم المراجع إلى عدّة أنواع، كلّ نوع منها يحقق جانبًا من جوانب السياسة الشرعية: الأول: المداخل المعاصرة، ومما يندرج تحته من الكتب: أ- كتاب «أضواء على السياسة الشرعية» د. سعد بن مطر العتيبي. ب- كتاب «المدخل إلى السياسة الشرعية» د. عبد العال عطوة. جـ- كتاب «المدخل إلى السياسة الشرعية والأنظمة المرعية» د. ناصر الغامدي. الثاني: قواعد السياسة الشرعية، ومما يندرج تحته من الكتب: أ- كتاب «سلطة ولي الأمر في الأحكام الاجتهادية» د. حمود الغشيمي. ب- كتاب «تقييد المباح» د. حسين الموس. جـ- كتاب «رفع الحاكم الخلاف» الشيخ عبد الله مزروع. الثالث: أثر السياسة الشرعية في الأحكام، ومما يندرج تحته من الكتب: أ- كتاب «أثر السياسة الشرعية في الأحكام التكليفية» د. نسيبة البغا. ب- كتاب «السياسة الشرعية في الأحوال الشخصية» د. عبد الفتاح عمرو. جـ- كتاب «تغيّر الظروف وأثره في اختلاف الأحكام» د. محمد القاسم المنسي. د- كتاب «الحرية الاقتصادية ومدى سلطان الدولة في تقييدها» د. محمد الجنيد. الرابع: الولاية وأحكامها، ومما يندرج تحته من الكتب: أ- كتاب «نظرية الولاية» د. نزيه حماد. ب- كتاب «ولاية التأديب الخاصة في الفقه الإسلامي» د. إبراهيم التَّنَم جـ- كتاب «أهلية الولايات السلطانية في الفقه الإسلامي» د. عبد الله الطريد. الخامس: اعتبار المصالح ومعارضته للنصوص، ومما يندرج تحته من الكتب: أ- كتاب «قاعدة تغيّر الأحكام الاجتهادية وتطبيقاتها المعاصرة» د. أحمد الهبيط. ب- كتاب «نظرية المصلحة في الفقه الإسلامي» د. حسين حامد حسان. جـ- كتاب «الموازنة بين المصالح» أحمد الطائي. د- كتاب «وقف العمل بالنصوص الشرعية» عزت الجرحي. السادس: الكتب التأسيسة التراثية، وما يندرج تحته من الكتب: أ- كتاب «الخراج» لأبي يوسف. ب- كتاب «السير الكبير» لمحمد بن الحسن. جـ- كتاب «الأموال» لأبي عُبيد. د- كتاب «الغياثي» للجويني. هـ- كتاب «الأحكام السلطانية» للماوردي. و- كتاب «قواعد الأحكام» للعزّ بن عبد السلام. ز- كتاب «الأحكام» للقرافي. حــ- كتاب «السياسة الشرعية» لابن تيمية. ط- كتاب «الطرق الحكمية» لابن القيم. ي- كتاب «تبصرة الحكام» لابن فُرحون.
لا أدرى هل أنا وحدي من شعر بذلك أم لا .. لكن هذه المحاضرة القيمة أحزنتني كثيرا فما أبعد أحوال سياسات بلادنا عن نعيم وجمال هذا الكلام .. فبدلا من أن تكون رحمة للعباد هي عنت و محادة للوحي .. اللهم ردنا إلي دينك ردا جميلا و هيئ لنا من أمورنا رشدا و سخر لنا الصالحين المصلحين و ول علينا خيارنا
درر وفوائد يندر ان تجد مثلها محشودة بهذا الشكل الكبير الا في مثل هذه المحاضرات التي من الواضح ان الشيخ تعب في جمعها وترتيبها وإعدادها وصياغتها بهذا الشكل الجميل ف نصيحة خالصة اسمعها كم مرة وسجل ما يعجبك وترى انك ستحتاجه في يوم من الأيام... جزى الله خير الجزاء وبارك في علمه وعمله
الجزء الثالث: • أبواب السياسة الشرعية وموضوعاتها: الباب الأول: النظام السياسي والدستوري "نظام الحكم": هو ما يتعلق بادارة شؤون الدولة الداخلية. الباب الثاني: النظام القضائي. الباب الثالث: النظام المالي والاقتصادي: تفرض تدخل الدولة لضبط النقد وحدود تصرفات الناس. الباب الرابع: النظام الجنائي. الباب الخامس: النظام الدولي. * ولتكتمل جميع الأبواب الفقهية نضيف بابان: الأسري، العبادات. • ثمرات أساسية في تطبيق السياسة الشرعية: ١- مراعاة المتغيرات المعاصرة التي تفرض علينا ضرورة العناية بالسياسة الشرعية؛ لأننا بدون هذه الاجتهادات الصحيحة سنقع في الانحراف والغلط في ظل وجود نظام غربي مسيطر على مجريات كثير من الأمور، وقوة تأثيره الثقافي والإعلامي والفكري على الناس. ٢- الاستغناء عن القوانين والسياسات الوضعية في تدبير شؤون الأمة؛ لأنها لا ترفع بالوحي رأسا، ولا تحتكم إلى الشريعة، ولا تبالي بكلام الله ولا رسوله في التشريعات. ٣- تحقيق المصالح ودفع المفاسد، وهي من المقاصد الشرعية المهمة. • مشروعية العمل بالسياسة الشرعية: * السياسة الشرعية هي ليست من محدثات المعاصرين أو من الاجتهادات الخاطئة بل هو أمر متفق عليه شرعا. * السياسة الشرعية ليست دليل يحتج به بذاته، وإنما هي ألية نظر واجتهاد معتبر. (مثل الإجتهاد في الفقه). * تكون الأدلة الشرعية في مشروعية العمل بالسياسة الشرعية على ستة أصول أساسية: الأصل الأول: الأصول الاستدلالية الشرعية العامة. مثل: رفع الحرج، سد الذرائع، المصلحة المرسلة، العرف، الاستحسان، وفيها أدلة كثيره. الأصل الثاني: القواعد الشرعية الكلية الدالة على: العدل، الإحسان، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. الأصل الثالث: السياسة الشرعية في عهد النبي ﷺ كقوله أو عمله. الأصل الرابع: اتفاق الخلفاء الراشدين في عملهم بالسياسة الشرعية. الأصل الخامس: أن العمل بالسياسة الشرعية هو عمل بمقاصد الشريعة التي تسعى في جلب المصالح ودرء المفاسد، ومراعاة اختلاف الأحوال كالفقير والغني، والمرأة والرجل، ومراعاة الحالات الاستثنائية كالفقر، الضعف، الضرورة، السفر؛ فالسياسة الشرعية تحقق ذات المقاصد. الأصل السادس: الشواهد القرآنية والنبوية الدالة على اعتبار العمل بالسياسة الشرعية مما يستخرج من مجموعه أصل كلي. • خصائص السياسة الشرعية: * قيمة معرفة خصائص السياسة الشرعية تحقق هدفين: هدف إيماني (حب الدين وتعزيز اليقين) ، كشف الحدود الفاصلة بين الدين الإسلامي وغيره من الأنظمة المختلفة. وهذه الخصائص هي نفسها خصائص النظام الاجتماعي والاقتصادي والقضائي، ومن هذه الخصائص: الربانية، الشمول، الكمال، العدل، المبدئية. وطبيعة هذه الخصائص أنها عامة جاءت لأجل تعميق التدين والانتماء للإسلام. هذه الخصائص هي محاسن الإسلام في التصورات الكلية أما التطبيق الواقعي فيحتاج إلى اجتهاد وعمل ودراسات وأمور كثيره • مركزية الإجتهاد في السياسة الشرعية: * ضرورة أن يكون الاجتهاد واعي وحي وقوي ويمتلك أدوات عالية يستطيع من خلالها أن يقدم منهجاً شرعياً صحيحاً، والتقصير في هذا الاجتهاد سيؤثر على ترك الشريعة وتعطيلها. * في السياسة الشرعية لا يبرء أي أحد خالف الشريعة وهو آثم ويحاسب عنها في الدنيا والآخرة. * أهم أدوات الاجتهاد العلم بالواقع، وهذا يؤثر على المجتهد في تحسين تصوره للااجتهاد وذلك في: استدلالة، حكمه، تحقيق المناط، مراعات المتغيرات. • مصادر السياسة الشرعية: كانت العناية بالسياسة الشرعية كبيره جدا في المدونة التراثية، ومن النقد الشائع لبعض المعاصرين أنه يتحدث أن الفقهاء قد قصروا في عنايتهم بالنظام سياسي، وأن هناك كتابات محدوده، والحقيقة هذا تقصير كبير جدا؛ لأن ليس من مضان البحث البحث بالعناويين وإنما ايضا البحث في المحتوى، ومن ذلك: كتاب في الاحكام السلطانية (كتاب الماوردي وابي يعلى الفراء) ، كتب في القضاء (كتاب أدب القضاء/القاضي) ، كتب في الجهاد ، كتب متعلقة في تصرفات الحاكم والسياسة( كتاب تحرير الأحكام في تدبير الأنام لإبن جمعه) ، كتب في الأموال (كتاب ابي عبيد) ، كتب في الخراج ، كتب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وأيضا البعض يحكم عليهم بالتقصير؛ لأنهم لم يبحثوا في الأدوات المعاصرة لزمنه! فهذا تفكير عجيب فإن كنت ستنتقد انتقد من كان في عصرك. تم بحمد الله دعواتكم لي بالبركة.
ملخص المحاضرة: • المحور الأول: مفهوم السياسة الشرعية عند الفقهاء المتقدمين: يقول الغزالي إن السياسة الشرعية هي: استصلاح الخلق بارشادهم إلى الطريق المنجي في الدنيا والآخرة؛ فهي من الأنبياء على الخاصة والعامة في ظاهرهم وباطنهم، ومن السلاطين والملوك على كلٍ منهم في ظاهره لا غير، ومن العلماء -ورثة الأنبياء- على الخاصة في باطنهم لا غير. وهذا تعريف عام للسياسة أما المعنى الرائج والأكثر يقصد به: تصرفات الحاكم المرتبطه بالاحكام الشرعيه والنصوص الفرعية كتقسيم الأموال. هناك إطلاق آخر لمعنى السياسة الشرعية يقصد به: تصرفات الحاكم المصلحية بمعنى أنه لا يقصد به كل تصرف، وإنما التصرف المصلحي الذي يتعلق باجتهاد في إدارة شؤون الدولة فيما هو ليس من الأحكام الشرعية، وليس فيه تطبيق لأحكام الشريعة، وإنما هو من جنس الاستصلاح العام، وهو الأقرب لاستعمال المعاصرين للسياسة الشرعية. الإطلاق الرابع: يخص المذهب الحنفي ويقصدون بالسياسة: العقوبات والتعازير التي يفرضها الحكام والقضاة على أصحاب الجنايات والجرائم. الإطلاق الخامس: يقصدون بالسياسة الشرعية: البينات الموصلة للحق، بمعنى أن القاضي ينظر إلى البينات والقرائن حتى يصل إلى الحق. إذا ليس هناك استعمال واحد عند الفقهاء المتقدمين لمفهوم السياسة الشرعية؛ فهناك من يضيقها إلى العقوبات وهناك من يوسعها إلى كل استصلاح حتى لو كان خارج تصرفات الحاكم كإصلاح العلماء أو الوالدين أو غير ذلك. • المحور الثاني: مفهوم السياسة الشرعية عند المعاصرين: هو التدابير المتعلقة بالشأن العام، مما تقتضيه المصلحة الشرعية، فيما لا نص فيه. لا نص فية، تشمل ثلاثة أمور: ١- جميع المباحات داخله في السياسة الشرعية لأن لا نص فيها. فالأنظمة التي تطبق لتنظيم حياة الناس هذه من المباحات. ٢-التخير، بعض الأمور يخيرها الشرع للحاكم فيرى الأصلح والانفع. مثال: حكم المحارب (قاطع الطريق) يقول تعالى:(إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض) ففي مذهب المالكية الحاكم مخير في اختيار العقوبة. ٣- ما جاء فيه نص قد تغير لارتباطه بعرف أو مصلحة متغيرة، فيكون لا نص فيه لأن هذا النص كان مرتبط بمصلحة أو عرف وقد تغير. مثال: في زمن النبي كان الأصل في الناس العدل حتى يثبت عكس ذلك، وعندما تغير الزمان وكثر الكذب والفحش، تغير الحكم لتغير العرف؛ فأصبح الأصل الفسق حتى يثبت عكس ذلك، وليس بالضرورة هنا أن نثبت ما الصحيح، وإنما المقصد أن الحكم قابل للاجتهاد وليس من المسائل القطعية التي لا اجتهاد فيها. مثال على مصلحة متغيرة: التسعير، عندما غلت الأسعار في زمن النبي طلب الصحابة من النبي أن يسعر؛ فرفض ذلك، فذهب بعض العلماء إلى منع التسعير مطلقا، وذهب أكثر العلماء إلى أن الحديث هنا ليس فيه منع للتسعير مطلقا، وإنما تصرف النبي هنا لعدم وجود مصلحة من التسعير، فإذا تغير الحال وأصبح هناك مصلحة للتسعير فإنه لا حرج في ذلك. هناك قاعده مهمه جدا في ذلك وهي: أي اجتهاد يدعي تغير الحكم بتغير عرفه أو مصلحته لابد أن لا يعود على الأصل "النص" بالنقض. ٤- عندما يأتي حكم في نص أقوى من نص آخر أو مماثل له، فهنا يأتي الاجتهاد المعتبر، ومن ذلك أيضا إذا دخل الموضوع ضرورة او حاجة بضابطها أو عجز او مصلحة معتبره شرعا أو تخلفت أحد الشروط، كل هذه المساحة سائغة في السياسة الشرعية.
الجزء الثاني: • حدود ما لا يدخل في السياسة الشرعية: ١- الاحكام القطعية، اي حكم شرعي جاءت الشريعة بالقطع فيه، ولا يحتمل الاجتهاد؛ فهو غير داخل في الأحكام الشرعية، كتحريم الزنا، الخمر، حكم المواريث، فالسياسة الشرعية تدخل عليها من جهة: الاجراءات التنفيذية، إذا جاء هذا الحكم متغيرات مؤثرة كضرورة أو حاجة. ٢- العبادات المحظة: الصلاة، الحج، إلا من باب تنظيم هذه العبادات ٣- الأنصبة والمقادير التي قدرتها الشريعة، كنصاب الزكاة، المواريث، الجلدات، الديات. ٤- الأحكام الفقهية في غير الشأن العام، كالعلاقة بين البائع والمشتري. ٥- الفتوى في القضايا السلطانية. ٦- الولايات الخاصة كولاية الاب على أطفاله، الولايه على السفيه، المجنون. • أوصاف التأثير في السياسة الشرعية: ١- الإلزام، فالالزام الذي يملكه السلطان او الحاكم يغير الأحكام؛ فقد يكون موسع فيصبح مضيق، أو فرض كفاية فيكون فرض عين أو حلالا فيصبح ممنوعا لمصلحه يراها.
جزاك الله خيرا وبارك في جهودكم شيخنا الجليل... اريد من فضليتكم ورقة أو محاضرة بعنوان المنهجية العلمية لدراسة علم السياسة الشرعية والتخصص فيه ... وما هوا القدر الكافي من باقي علوم الشريعة بالنسبة للدارس الذي يريد أن يتخصص في هذا المجال . وجزاكم الله خيرا . واريد رقم الواتس آب لحضرتك للتواصل المباشر والإستفسارات .
قوانين المرور وقوانين العبور إن الحكومة التي تحكم دولة ما تضع قوانين لحركة المركبات في الشوارع، من التزم بها أمن من تسجيل المخالفات والعقوبات وسلم من الحوادث، وكذلك الله عز وجل الحاكم للوجود القائم، وضع سننا وقوانينا لحركة الإنسان ولعبوره لمرحلتي النشأة والحياة إلى محطة المصير، من التزم بها أمن من تسجيل الذنوب والسيئات والعقوبات الدنيوية الجلية الظاهرة والخفية الباطنة ومن العقوبات الأخروية وسلم من الحوادث، ومثلما للفرد سنن وقوانين تحكم وتضبط إيقاع حركته وعبوره للزمن، كذلك للمجتمع سنن وقوانين تحكم وتضبط إيقاع حركته وعبوره للزمن . فهذا الاضطراب والخلل الذي أصاب حركة الحياة والمجتمعات حدث بسبب مخالفة معظم الأفراد وكل السلطات الحاكمة لقوانين العبور لمرحلة الحياة نحو محطة المصير، أو للسنن والقوانين الحاكمة للوجود القائم أو لحركة الحياة والتي وضعها رب العالمين . وما يغيب عن إدراك معظم الناس، هو بأن لهم شركاء في عبورهم للزمن وفي حركتهم في الحياة، وهم إبليس وذريته من شياطين الجن الذين يعادون الإنسان، وأولئك الشركاء يصبح لهم سلطان وتمكن وسيطرة على من توفرت فيهم أسباب التسلط والسيطرة والتمكن، وهي الكفر والنفاق والشرك بالله واتباع خطوات الشيطان، والمشكلة بأن من تتسلط عليه الشياطين لا يشعر بتسلطها وسيطرتها وتمكنها، حيث ستقوم ببناء أفكاره ومفاهيمه وتصوراته وستتحكم بردود أفعاله وستطمس بصيرته وستضيق مداركه وأفقه مما يجعله ينحرف عن الصراط المستقيم ليصبح إما من المغضوب عليهم أو من الضالين . قال تعالى ( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ (82)) الأنعام، قال تعالى ( ...إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)) لقمان . ( الْأَمْن ُ) أي الأمن الروحي )أي الأمن من تسلط الشياطين والأمن الفكري قال تعالى ( قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَٰذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) ) الحجر. ومثلما للإنسان سفرات مكانية ينتقل فيها من مكان إلى مكان ويعبر المسافات، كذلك له سفرة زمانية.ينتقل فيها من مرحلة الولادة والحياة إلى مرحلة المصير عبر الزمن، فالإلتزام ( بقوانين العبور ) يحقق سلامة الحياة، فالمشرع - عز وجل - قد بين لنا الشارع والدرب والطريق عبر الزمن، أي بين لنا السنن والقوانين وزودنا بخارطة واضحة المعالم و ببوصلة تحدد المسار وبمنظار يكشف الأخطار من أجل عبور آمن ووصول سالم . قال تعالى ( شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ (13) ) الشورى. مر زمن ومضى، وانحرف بالناس الهوى وانحدر بهم إلى الردى بعيدا عن الهدى، فلا هدى الا لمن اتقى وبالنبي قد اقتدى. من يقرأ مقال ( قوانين المرور وقوانين العبور ) سيعرف بأن السياسة وإدارة حركة المجتمع في الإسلام ( مسألة فنية ) تحكمها سنن وقوانين ربانية لا يحسن التعامل وفقها مَن لم يتدارسها وهو يحتكم لهواه وذوقه او لهوى ورغبة الأقوياء أو المستقوين بالغرب، كما لا يحسن التعامل وفقها من انفصل قلبه وعقله عن بصائر الوحي، فهو على هذا الأساس ستتسلط عليه الشياطين وعلى أفراد المجتمع الغافلين عن الحقيقة، فالله القوي العزيز لم يسن السنن والقوانين دون أن ينزل العقوبة الدنيوية السريعة والشديدة على من يتجاهلها ويتعامى عنها ويخالفها، بل سيسلط عليه الشياطين التي تقوم ببناء أفكاره ومفاهيمه وتصوراته، ومن ضمن العقوبة سلب شعور ووعي من نزلت بهم العقوبات الربانية الشديدة الخفية، فلا يصح أن يحكم المسلمين من قبل من طمست بصائرهم واختلت موازين عقولهم وفقدوا الوعي والإحساس بعد ما فقدوا التحصين ضد الشياطين .
رؤية سياسية من زاوية إسلامية قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله : ( وقد أوعبتُ في كل فن من فنون العلم إيعاباً، من نور الله قلبه هداه بما يبلغه من ذلك، ومن أعماه لم تزده كثرة الكتب إلا حيرة وخبالاً ) كنت كثيرا ما أفكر في الأمر وأراجع نفسي وأتدبر وأتفكر في تأويل الآية ( 79 ) من سورة الكهف ( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا ) … حيث كتبت الآتي في مقال ( إلى أصحاب السفينة ) :- … (( فالمعنى الظاهر يختلف عن المعنى الباطن كما تختلف معاني المفردات . * في الظاهر : السفينة هي السفينة المعروفة التي تعبر في الناس البحر . وفي الباطن : السفينة هي النظام السياسي الذي يعبر بالناس الزمن * في الظاهر : المساكين قليلوا المال ولا يملكون الا السفينة ليعتاشوا من ورائها . وفي الباطن : المساكين هم قليلوا العلم والمعرفة الذين قل وعيهم وطمست بصائرهم ولا يدركون حقائق الأشياء مع اختلاف صفاتهم وطباعهم، فمنهم خبيث ومجرم عتل شقي، ومنهم طيب حبيب مسالم تقي، ومنهم غني ومنهم فقير لا يملك المال، أو مسكين يملك قليلا من المال، ومنهم حاكم ومنهم محكوم،ومع اختلاف أسباب قلة علمهم ومعرفتهم . * في الظاهر : يعملون في البحر أي يعملون على ظهر السفينة لنقل المسافرين والبضائع في البحر . وفي الباطن : يعملون في بحر الظلمات بعد غياب الحقيقة، والظلمات ظلمات العقل والجهل، وهي كانت ظلمات تتزايد كلما تقدم الزمن وكلما ارتفع موج الطغيان السياسي على الناس، حتى وصل الحال إلى ظلمة حالكة السواد فتن فيها الناس بمخرجات عقل الكسب والوظيفة والمعيشة الذي توجده المدرسة الغربية التي تفصل عقول وقلوب الدارسين عن بصائر الوحي. * في الظاهر : ملك يأخذ السفن الصالحة غصبا عن أصحابها، بواسطة جنده … يتبع *وفي الباطن : الملك هو إبليس الذي يمكنه أخذ واغتصاب الأنظمة السياسية التي عطلت الشورى واستبدلتها ببدعتي القهر والغلبة والتوريث أو التي لم تحكم بالشرع المنزل، واستبدلت سنة الطواف في فلك أفكار الرسالة ببدعة الطواف في فلك الأشخاص وأفكارهم الخاطئة والفاسدة وفي فلك الأشياء، وهو يأخذها غصبا بواسطة جنده من بعض شياطين الجن أيضا، أو بعض ذريته، فإبليس مسلط من الله عز وجل ليغتصب الحكم ثم يقوم بتطويعه لتحقيق أهدافه الشريرة، وهذا من إحدى السنن والقوانين التي لم يعرها بعض العلماء اهتماما مما جعل الحقائق تغيب عنهم .)) انتهى وبعد التدبر والتأمل والنظر ومراجعتي للأمر وجدت أن هناك حديثا صحيحا مشهورا لدى بعض العوام كثيرا ما يستدل به علماء السلطة على وجوب طاعة أمر الأمير أو الحاكم وهو في نفس الوقت يثبت ما ذهبت إليه بقيام إبليس بواسطة بعض ذريته من شياطين الجن بأخذ وأغتصاب كل سفينة - أي نظام سياسي - لا يحكم بشرع الله عز وجل ولا يستن أهله بسنة النبي ولا يهتدون بهدية ( وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا ) قال حذيفة بن اليمان قلت: يا رسول الله إنا كنا بشر فجاء الله بخير فنحن فيه فهل من وراء هذا الخير شر، قال: نعم، قلت: هل وراء ذلك الشر خير، قال: نعم، قلت: فهل وراء ذلك الخير شر، قال: نعم، قلت: كيف؟ قال: يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي ( وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس ) قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك، قال: تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع. رواه مسلم في صحيحه وقد رواه الحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي والألباني . فهذا الحديث العظيم يجلي الصورة الخفية لما جاء في الآية ( وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا ) وهي صورة جلية لمن سلك سبيل من أنعم الله عليهم بالهدى ونور اليقين وهو الولاء المطلق لله عز وجل ولأفكار الرسالة . من مقال رؤية سياسية من زاوية إسلامية
البناء المنهجي، دفعة العزم ✨.
١٧ من رمضان ١٤٤٥ ه.
هل هذا مقرر انا من الدفعة الخامسة 😮
@@Mohammed-abdullah708 لا الدفعة الثانية
الكثير يسمع عن الشيخ العجلان وغالبهم عرفه من كتاب زخرف القول لكن اغلبهم لا يدري ان الشيخ له نتاج في اليوتيوب والمقاطع. الرجل هذا ثورة علمية علينا نشره
ملخص المحاضرة:
مقدمات في السياسة الشرعية
المقدمة الأولى: مفهوم السياسة الشرعية عند المتقدمين
عند استقراء مفهوم «السياسة الشرعية» عند المتقدّمين؛ سنلحظ أنه لم يكن مستعملًا بطريقة واحدة عند الفقهاء، فله عدّة إطلاقات ومقاصد، منها:
الأول: يُطلق هذا المفهوم بمعنى عام يشمل كلّ إصلاح للخلق وإرشاد لهم في أمر الدنيا والآخرة.
قال الغزالي: «السياسة: استصلاح الخلق بإرشادهم إلى الطريق المنجي في الدنيا والآخرة، فهي من الأنبياء على الخاصة والعامة في ظاهرهم وباطنهم، ومن السلاطين والملوك على كلٍّ منهم في ظاهره لا غير، ومن العلماء وورثة الأنبياء الخاصة في باطنهم لا غير»، فهذا المفهوم العام شائع عند المتقدّمين.
الثاني: قصر المفهوم على تصرّفات الحاكم في إدارة شؤون الحكم، وهذا الاستعمال الأكثر، وهو مقصود من كتب بــ«الأحكام السلطانية»، أو «الأمارة»، أو «التدبير»، أو «السياسة الشرعية» كما في كتاب ابن تيميّة - رحمه الله -
الثالث: يُطلق ويُراد به: تصرفات الحاكم المصلحية التي تتعلق باجتهاد فيها في إدارة شؤون الدولة، فيما هو ليس من الأحكام الشرعية، وهذا الإطلاق هو الأقرب لاستعمال المعاصرين لمفهوم «السياسة الشرعية».
الرابع: يُطلق ويُراد به: العقوبات والتعاذير، وهو بهذا المعنى خاص بالمذهب الحنفي.
الخامس: يُطلق ويُراد به: البيّنات الموصلة إلى الحقّ، وهذا الإطلاق يذكره ابن القيم في «الطرق الحكمية»، وابن فرحون في «تبصرة الحكام»، ولا يقصدون بهذا المعنى تعريف السياسة الشرعية، وإنما هو منها.
المقدمة الثانية: مفهوم السياسة الشرعية عند المعاصرين
إذا لم يكن مفهوم «السياسة الشرعية» محررًا على معنى واحد؛ لأنهم لم يكونوا حريصين على ضبط المفهوم؛ فإنّ الوضع اختلف كثيرًا في الكتابة المعاصرة، فهناك انضباط نسبي في هذا المفهوم، وجمهور الكتابات المعاصرة يكاد ينحصر المفهوم فيها في مفهوم محدد، نعم؛ يختلف الكُتّاب في تعريفه، لكنه يرجع إلى ثلاثة معانٍ أساسية لا بد أن تُذكر فيه، وهي:
الأول: تدابير متعلقّة بالشأن العام.
الثاني: تتعلق بالمصلحة.
الثالث: لا نصّ فيها.
س: ما المراد بــ«لا نصّ فيها»؟
الجواب: هذا يشمل أمور:
الأول: المباحات كلّها، والأصل في أكثر الأمور الحياتية: الإباحة، فالتنظيمات والقوانين التي تُشرع لترتيب حياة الناس؛ أغلبها في دائرة المباح.
الثاني: التخيير؛ فالشريعة - أحيانًا - لا تضع الحكم مباحًا، لكنّها تخيّر الحاكم بين عدّة خيارات، فهذا ضمن السياسة الشرعية؛ لأنّ هذا التغيير يرجع للحاكم.
مثال ذلك: في حكم قاطع الطريق جاء قول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَ ٰۤؤُا۟ ٱلَّذِینَ یُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَیَسۡعَوۡنَ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَسَادًا أَن یُقَتَّلُوۤا۟ أَوۡ یُصَلَّبُوۤا۟ أَوۡ تُقَطَّعَ أَیۡدِیهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم مِّنۡ خِلَـٰفٍ أَوۡ یُنفَوۡا۟ مِنَ ٱلۡأَرۡضِۚ﴾ [المائدة ٣٣] ، فهذه العقوبات المحددة لهذه الجريمة، والفقهاء اختلفوا على قولين في إيقاع هذه العقوبات:
- ذهب الجمهور إلى تحديد عقوبة لكلّ جُرم، فللقاتل عقوبة، وللسارق عقوبة، ولمن يُرهب الناس عقوبة.
- وذهب المالكية إلى أن هذه العقوبات الأربع للتخيير؛ فيختار منها الحاكم بحسب المصلحة.
فــ«السياسة الشرعية» هنا تدخل على مذهب المالكية.
الثالث: ما جاء فيه نصٌّ متعلّق بمصلحة أو عرف وقد تغيّر؛ فإن الحكم يتغيّر.
مثال الحكم المرتبط بالعرف:
أ- العاقلة، وهم الذين يسندون الجاني في الجناية الخطأ؛ فيدفعون عنه الدية، في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت عُصبة الشخص وأقاربه هي مَن تدفع الدية، وهذا مذهب الحنابلة والشافعية، أما الحنفية والمالكية فيرون أن حكم العاقلة مبني على عُرف فإذا تغيّر تغيّر الحكم، وعليه؛ فلا يلزم أن العاقلة يكونون هم العصبة، وإنما هم الذين ينصرون الشخص؛ فإذا حصلت النصرة؛ وجبت عليهم الدية، وأصبحوا من العاقلة، وعليه؛ فإذا كان العرف أن النصرة لا تكون من الأقارب ؛ فلا يجب على الأقارب دفع الدية.
ب- هل الأصل في المسلمين العدالة حتى يثبت الجرح فيهم، أو العكس؟ ذهب بعض العلماء إلى أنّ العدالة هي الأصل في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، لكن لمّا تغيّر الحال وكثر في الناس الفسادُ والكذب؛ تغيّر الحكم، فصار على خلاف ما كان في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -.
تتمة👇
مثال الحكم المتعلق بالمصلحة:
أ- التسعير، فعندما غلَت الأسعارُ في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء الصحابة إليه، وطلبوا منه أن يُسعّر، فأبى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن هذا أخذ بعض العلماء منع التسعير مطلقًا، وذهب كثير من العلماء إلى أنّ الحديث ليس فيه منع للتسعير مطلقًا، وإنما فعل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ذلك لعدم وجود مصلحة من التسعير، وعليه؛ فإذا صارت هناك مصلحة من التسعير؛ فلا حرج في ذلك.
ب- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا اشْتَدَّ الحَرُّ، فأبْرِدُوا بالصَّلاةِ، فإنّ شِدَّةَ الحَرِّ مِن فَيْحِ جَهَنَّمَ»، أخذ العلماء من هذا أن الإبراد سنة؛ لأنه أقرب للخشوع، لكنّ العلماء لاحظوا أن الإبراد له سبب ومعنى، وهو: إيذاء المصلّي في الحرّ، فذهب الشافعية إلى أنّ هذا خاصّ بالبلاد الحارة وبالمسجد الذي يقصده الناس، وذهب الحنفية إلى أنّه متعلّق بالصيف دون الشتاء، ففقه العلماء ينظر في المصلحة المقصودة من النصّ؛ فإذا تغيّرت المصلحة لا يتمسّكون بالنص مع زوال المصلحة.
والتغيير الذي بسبب العرف أو المصلحة كثير في اجتهادات الفقهاء، أما في النصوص فهو قليل ومحدود.
قال القَرَافي: «فَهَذِهِ قَاعِدَةٌ لَا بُدَّ مِنْ مُلَاحَظَتِهَا وَبِالْإِحَاطَةِ بِهَا يَظْهَرُ لَكَ غَلَطُ كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْمُفْتِينَ فَإِنَّهُمْ يُجْرُونَ الْمَسْطُورَاتِ فِي كُتُبِ أَئِمَّتِهِمْ عَلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ، وَذَلِكَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَهُمْ عُصَاةٌ آثِمُونَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرُ مَعْذُورِينَ بِالْجَهْلِ لِدُخُولِهِمْ فِي الْفَتْوَى وَلَيْسُوا أَهْلًا لَهَا»
مثال ذلك: في بعض كتب الفقهاء يُذكر أنه لا يجب على الزوج أن يدفع كلفة العلاج، وأن هذا ليس من النفقة، لكنّ هذا الحكم متعلّق بعرف، فلم يكن في زمانهم أن من أسس المعاشرة بالمعروف: التكفّل بعلاج الزوجة، نظرًا لسهولة ويسر العلاج في ذاك العرف.
فائدة: بعض العلماء يرى أن التعبير بــ«تغيّر الفتوى» أولى من «تغيّر الحكم».
قاعدة مهمة: «أيّ اجتهاد يدّعي تغيّر حكمٍ بتغيّر عُرفه أو مصلحته لا بد أن لا يعود على الأصل بالنقض».
الرابع: الحُكم الثابت الذي عُورض بأقوى منه، ومن ذلك إذا دخلت: «الضرورة»، أو «الحاجة»، أو«العجز»، أو «مصلحة»، ويحسن التنبيه هنا إلى أنّ هذه المراعاة ليست هي مراعاة لشيء خارج النصّ، وإنما مِن داخله.
المقدمة الثالثة: حدود ما يدخل في «السياسة الشرعية»
من خلال المقدمة السابقة يظهر لنا أن هناك أمورًا لا تدخل في السياسة الشرعية، منها:
أوّلًا: الأحكام القطعية؛ كتحريم الزنا، والخمر، وقسمة المواريث، وقد تدخل السياسة الشرعية على الأحكام القطعية من جهتين:
أ- الإجراءات التنفيذية.
ب- إذا دخل على الحكم متغيّرات مؤثّرة.
ثانيًا: العبادات المحضة، إلّا إذا ارتبط شأن من العبادة بمصلحة عامة فهنا تدخل السياسة الشرعية، ومثال ذلك: تنظيم أوقات إقامة الصلاة.
ثالثًا: المقادير، والأنصبة، والحدود الشرعية.
رابعًا: الأحكام الفقهية في غير الشأن العام.
خامسًا: فتوى الأحكام السلطانية؛ لأن «السياسة الشرعية» تصرّف من الحاكم، وفيها إلزام، وهذه الفتوى ليس فيها إلزام، هذا ما ذهب إليه بعض المعاصرين، ويخالفهم آخرون، ويرون أن هذه الفتوى وإن لم يكن فيها إلزام؛ إلّا أنّها مادة الإلزام.
سادسًا: الولايات الخاصة؛ كولاية الأب على أولاده الصغار.
المقدمة الرابعة: أوصاف التأثير في «السياسة الشرعية»
يجب أن نكون واعين فلا نستغرق في التفاصيل عن إدراك المؤثّرات في «السياسة الشرعية»، فما الذي يعطي هذا المفهوم أهميّة ومكانة؟ عند التأمل في هذا المفهوم نجد أن أهميّته تكمن في وصفين:
الأول: الإلزام.
السياسة الشرعية فيها إلزام، وهذا يُغيّر الأحكام، فقد يكون الفعل مباحًا؛ فينتقل للمنع بسبب الإلزام والتحريم، وقد يكون مباحًا فيُصبح واجبًا، وهذا كلّه لسلطة الإلزام التي فيها مصلحة شرعية.
الثاني: المتغيّرات المتعلّقة بالواقعة.
فقد يأتينا حكم يكون متعلّقًا بأوصاف ثم تتغير في واقع ثانٍ، كأن تأتي ضرورة أو حاجة، فالسياسة الشرعية لا تتحدّث عن أحكام واضحة المعاني، وإنما في أحكام يتخيّر الإنسان فيها بين واجب ومحرم، فإن فعل وقع في محرّم، وإن ترك وقع في ترك واجب، هنا تدخل السياسة الشرعية لاختيار الموقف الصحيح، وعليه؛ فإن هناك أمرين يدخلان في السياسة الشرعية مما سبق ذكره:
أ- فتاوى العلماء لا بدّ أن تدخل في السياسة الشرعية؛ لأنّ الوصف المؤثر في السياسة الشرعية متحقق فيها، وهو: التغيّر الذي يعتمد على اجتهاد الفقهاء.
ب- الولايات الخاصة؛ فالأب - مثلًا - له سلطة الإلزام على ولده الصغير، فلو كان عنده أموال فلا يجوز لأحد أن يبيع ويشتري إلّا بإذن وليه.
المقدمة الخامسة: زوايا النظر المعاصر في السياسة الشرعية
من المُلاحظ في الكتابات المعاصرة أن مفهوم السياسة الشرعية - وإن كان منضبطًا نسبيًا من حيث التعريف - إلّا أنّ تعاطي الكاتبين مع السياسة الشرعية لا يسير حول طريقة واحدة؛ فهناك أربع زوايا نظر للسياسة الشرعية:
الأولى: النظر إليها على أنّها آلية نظر واجتهاد في الأحكام ، فالسياسة الشرعية عنده هي آلة نظر تؤثّر بالأحكام إمّا بالإلزام، أو بتغيّر الأحكام، وهي أكثر ما تكون في تصرّفات الحاكم، وهذا هو النظر الراجح في السياسة الشرعية؛ لأن الوصف المؤثر فيها: أنّها آلة اجتهاد.
الثانية: النظر إليها على أنّها علم، فالسياسة الشرعية تشمل كلّ ما فيه تدبير لشؤون الدولة في قضاياها الداخلية والخارجية، فيدخل في ذلك المسائل المتعلقة بالنظام السياسي، والاقتصادي، والجنائي، والدولي.
وانتُقد هذا النظر بأنّه أبعد الوصف المؤثر، فهو يُضعف مفهوم السياسة الشرعية، فكون أبواب السياسة مجموعة في مكان واحد لا ميزة في ذلك، بل لا فرق بينها وبين باب البيوع - مثلًا -.
الثالثة: النظر إليها على أنّها متعلّقة بالنظام السياسي.
الرابعة: النظر إليها على أنها متعلّقة بالاستصلاح، وهذا النظر شبيه بالإطلاق المتقدّم للسياسة الشرعية، وهذا مُلاحَظ في إطلاقات الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله -.
المقدمة السابعة: العلاقة بين الاجتهاد المصلحي والنصّ
هذه المقدمة أساسية؛ لأنه سبق الكلام على أنّ السياسة هي: اجتهاد في النظر في المصالح، وتطبيقها على الواقع بما لا يُخالف الشريعة، فلا بد أن توجد عناية بمقارنة هذه المصالح مع النصّ، ويمكن تلخيص العلاقة بينهما كما يلي:
أوّلًا: ما فيه نصّ قطعي؛ فلا علاقة فيه للسياسة الشرعية، والنص القطعي يشمل: «قواعد الدين وأصوله»، و«الأحكام ذات الدلالة القطعية»، و«المقادير والأنصبة المحددة»
ثانيًا: ما لا نصّ فيه، وهذا سبق الحديث عنه.
ثالثًا: ما فيه نص محتمل، فهذا تدخله السياسة الشرعية.
مثال ذلك: أن إقامة الجمعة لا يُشترط لها إذن الحاكم عند جمهور الفقهاء، لكنّ هذه الشعيرة لأنها ارتبطت بشأن عام، وقد يحصل فيها اختلافات وخصومات؛ رأى كثير من المعاصرين أنّ هذا يُرجع فيه للتنظيم.
رابعًا: النصّ الذي عُورض بنص آخر تدخله السياسة الشرعية.
تنبيه: عند الحديث عن التعارض فهو لا ينحصر في حلال يُقابل حرام، وإنما قد يكون بوجود واجب يُعارضه محرّم، فالإنسان إن فعله وقع في المحرم، وإن تركه يكون قد ترك واجبًا.
المقدمة الثامنة: في ذكر شروط السياسة الشرعية
الأول: ضرورة الاتّفاق مع مقاصد الشريعة وأصولها الكلية.
الثاني: عدم مناقضة الدليل التفصيلي مناقضة صريحة.
الثالث: تحقيق المصلحة الشرعية.
المقدمة التاسعة: علاقة «السياسة الشرعية» بالمصطلحات المتشابهة
الأول: مصطلح «الفقه»، فالفرق بينه وبين «السياسة الشرعية» كما يلي:
أ- أن السياسة الشرعية جزء من الفقه، غير أنّ الفقه مجاله أوسع.
ب- الفقه يشمل الأحكام القطعية وغيرها، أما السياسة الشرعية فتتعلق بالأحكام الاجتهادية.
جـ- الفقه يشمل أمر الناس العامّ والخاصّ، أما السياسة الشرعية فقاصرة على الشأن العام.
د- الفقه يشمل العلم والعمل، أما السياسة الشرعية فتشمل العمل فقط.
الثاني: مصطلح «النظام» هذا المصطلح جزء من السياسة الشرعية إذا التُزم بالأحكام الشرعية، فالأنظمة المعاصرة هي اجتهاد في تحقيق مصالح الناس في جانب معيّن.
الثالث: مصطلح «النظام السياسي»، النظام السياسي هو أحد أبواب السياسة الشرعية، فهو أحد المجالات التي يكثر فيها الاجتهاد في السياسة الشرعية.
الرابع: مصطلح «المصلحة المرسلة»، هذا المصطلح يُراد به: المصالح التي لم يأتِ نصٌّ باعتبارها، فهي مسكوت عنها، لكنها قد تدخل في قواعد الشريعة العامة، فهي معتبرة، ولو لم يأت نصٌّ فيها.
والعلاقة بين «المصلحة المرسلة»، و«السياسة الشرعية» كما يلي:
أ- أن المصلحة المرسلة من أصول السياسة الشرعية.
ب- أن المصلحة المرسلة تدخل في الشأن العام والخاص، أما السياسة الشرعية فهي داخلة في الشأن العام.
المقدمة العاشرة: أبواب السياسة الشرعية وموضوعاتها
الأول: النظام السياسي والدستوري (نظام الحكم).
الثاني: النظام القضائي.
الثالث: النظام المالي والاقتصادي؛ لأن التعاملات المالية والاقتصادية تفرض تدخل الدولة لضبط حدود تصرفات الناس.
الرابع: النظام الجنائي.
الخامس: النظام الدولي.
السادس: الجانب الأسري.
السابع: الجانب العبادي.
وإذا تعاملنا مع السياسة الشرعية بهذه الأبواب؛ فنكون قد نقلناها إلى علم مستقل، أما إذا نظرنا إليها باعتبارها آلية نظر؛ فليس هناك فرق بين مسألة فقهية أو قضائية، أو غير ذلك.
المقدمة الحادية عشر: ثمرات السياسة الشرعية
الأولى: مراعاة المتغيّرات المعاصرة، فلدينا متغيّرات معاصرة كثيرة تفرض العناية بهذا الباب، فالمعاصرون استحضروا التحديات الكبيرة المعاصرة التي تفرض وجود اجتهاد ليُقدّم للناس خطاب شرعي صحيح يحفظ الناس من الانحراف.
الثانية: الاستغناء عن السياسات والقوانين الوضعية في تدبير شؤون الأمّة.
الثالثة: تحقيق المصالح ودفع المفاسد.
المقدمة الثانية عشر: مشروعية العمل بالسياسة الشرعية
السياسة الشرعية أمر مشروع متفق عليه، وليست من المُحدثات المعاصرة، وليست اجتهادًا خاطئًا، والتعبير بــ«مشروعية العمل بالسياسة الشرعية» أدقّ من التعبير بــ«حجية العمل بالسياسة الشرعية»، فهي ليست دليلًا ليُقال بحجيّتها، وإنما هي آلية نظر واجتهاد معتبر، وعليه؛ فالمطلوب منا إثبات مشروعية هذه الطريقة، ومثل ذلك: «الاجتهاد» فلا يصح أن يقول أحدٌ: هذا العمل مكروه بدليل الاجتهاد.
أدلة السياسة الشرعية:
تنبيه: يُلاحظ وجود طريقة غير دقيقة في بحث أدلة السياسة الشرعية، وهي: الاستدلال بالخاص على العام، وهذا لا يصحّ. السياسة الشرعية مصطلح مركب وله عدّة مفاهيم مجتمعة، ولا يصح الاستدلال على السياسة الشرعية بذكر دليل على سد الذرائع - مثلًا -، ثم دليل على رفع الحرج، وهكذا؛ لأن كلّ واحد من هذه الأشياء يدلّ على شيء واحد في السياسة الشرعية، ولا تدل عليها ككلّ، وعليه؛ فالواجب: جمع الأدلة المتشابهة ووضعها في أصل يُعبّر عن كلّ السياسة الشرعية، وعليه؛ يُمكن ترتيب أصول أدلة السياسة الشرعية كما يلي:
الأول: الأصول الاستدلالية الشرعية العامة؛ كــ«رفع الحرج»، و«سد الذرائع»، و«المصلحة المرسلة»، و«العُرف»، و«الاستحسان».
الثاني: القواعد الشرعية الكليّة الدالّة على «العدل»، و«الإحسان»، و«التعاون»، و«الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، فالسياسة الشرعية مبنية على هذه القواعد.
الثالث: السياسة الشرعية في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فما ورد في سيرته من تفاصيل السياسة الشرعية معتبر؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - مشرّع.
الرابع: اتفاق الخلفاء الراشدين على العمل بالسياسة الشرعية.
الخامس: أن العمل بالسياسة الشرعية هو عمل بمقاصد الشريعة، فالشريعة جاءت لــ«جلب المصالح ودرء المفاسد»، و«مراعاة اختلاف الأحوال»، و«مراعاة الأحوال الاستثنائية» وهذا متحقق في السياسة الشرعية.
السادس: الشواهد من الوحي الدالّة على اعتبار العمل بالسياسة الشرعية، مما يُستخرج من مجموعه أصل كليّ.
المقدمة الثالثة عشر: خصائص السياسة الشرعية
مصطلح «الخصائص» هو ابتكار عصري ذكيّ، دافعه: تقديم مميزات الشريعة ومحاسن الدين؛ لتعميق الولاء والانتماء للشريعة في مواجهة المدّ التغريبي، وهذه الخصائص تحقق هدفين:
الأول: تعميق حب الدين، وتعزيز اليقين به.
الثاني: وضع الحدود الفاصلة بين الدين الإسلامي وغيره من الأنظمة.
تنبيهات متعلقة بــ«خصائص السياسة الشرعية»:
الأول: أن الكتابات فيها ما زالت تحتاج إلى مزيد من التطوير والتجويد؛ لأنها ما زالت تدور حول عموميات يكررها الكُتّاب.
الثاني: خصائص السياسة الشرعية متعلقة بخصائص الإسلام نفسه، ومن ذلك: الربانية، والشمول، والكمال، والعدل، والمبدئية، ومن الملاحظ في هذه الخصائص أنها متعلقة بكل نظام في الإسلامي، وعند الحديث عن خصائص السياسة الشرعية فإن النظر سيكون متّجهًا للنظام السياسي في الإسلام، وليس للاجتهاد.
الثالث: هذه الخصائص تتميز بالعمومية، وعليه؛ فهي ليست دليلًا، ولا قاعدة في الاستدلال والنظر الفقهي؛ لأن النظر في الأحكام التفصيلية يتطلب قواعد أكثر تفصيلًا ودقة وعمقًا.
الرابع: هذه الخصائص تعتمد على الأصل، ومن المهم كشف أثر هذا الأصل في الواقع.
مثال ذلك: نقول: «تتميز الأحكام في الشريعة بأنها ربانية»، ومن أثر ذلك في الواقع:
أ- فرض الثبات فلا يستطيع أحد تغيير الأحكام.
ب- أن المفاهيم الغربية صارت سائلة بسبب ضياع الدين.
ونحو ذلك من إظهار المحاسن والأثر في الواقع لكلّ أصلٍ من الأصول، وعليه؛ فخصائص الإسلام هي محاسن الإسلام في التصوّرات الكليّة، أما التطبيق الواقعي فيحتاج إلى اجتهاد وعمل وتفعيل للأصول في الواقع، وإذا لم يحصل ذلك فسيكون عند المسلمين أصول جميلة، وإن كان تطبيقهم فاسدًا.
الخامس: هذه الخصائص لا تعني تدمبر كلّ ما في النُظُم الأخرى، فالحديث عن الخصائص المراد منه: تثبيت شرف هذه الأصول، دون تدمير لما في غير النظام الإسلامي.
المقدمة الرابعة عشر: مركزية الاجتهاد في السياسة الشرعية
السياسة الشرعية تعمل في واقع متغيّر، وفي اشتباك مصالح ومفاسد، وهذا يفرض ضرورة وجود اجتهاد قوي يملك أدوات عالية؛ ليُقدّم منهجًا شرعيًا صحيحًا، والتقصير في هذا الاجتهاد من أسباب تحرّك المرجعيات الأخرى؛ لذلك نجد عند الفقهاء المتقدمين نقدًا للتقصير الذي يقع عند بعض الفقهاء في الاجتهاد الذي يُورث وقوعًا في الظلم أو الغلط. (أنموذج السياسة والشرع).
الاجتهاد في السياسة الشرعية يقوم على فقه دقيق في التراث، وفهم عميق للواقع، فمثلًا: ينبغي على من أراد الاجتهاد في المعاملات المعاصرة أن يكون مُلمًّا بالجانب الاقتصادي وأدواته المعاصرة، وكلّ ما يرتبط بذلك.
س: كيف تُعرف المصلحة؟
الجواب:
أ- العقل.
ب- الشرع.
جـ- العادات الاجتماعية.
د- الخبرة والتجربة والعلم، وهذا يفرض ضرورة العناية بالعلوم المعاصرة.
أثر إدراك المجتهد في السياسة الشرعية للواقع ومتغيّراته:
لهذا الإدراك أثر كبير في تحسين تصوّره الاجتهادي في أمور، منها:
أ- الاستدلال، ومن أمثلة ذلك: «المعارضة السياسية المعاصرة» فيها أنموذجان من الاستدلال:
- مَن يقول بحرمتها مستدلًا بالأدلة الدالة على حرمة الخروج على الحاكم، والمنازعة، ونحو ذلك.
وهذا الاستدلال خاطئ؛ لأن المعارضة السياسية بمفهومها السياسي ليست خروجًا على الحاكم؛ لأنها
مكفولة في النظام، وهذا لا يعني القول بإباحتها، ولكن يُحسّن التصوّر.
- من يقول بحرمتها مستدلًا بالأدلة الدالة على الأمر بالاجتماع على الحاكم، وترك المنازعة عليه، وأن هذه المعارضة وإن كانت مكفولة في النظام؛ إلا أنها تخالف الشريعة.
ب- الحكم على الأشياء بالإباحة والتحريم ونحو ذلك، مثلًا: «الفصل بين السلطات» فيه أنموذجان:
- مَن يقول: إن الإسلام فصل بين السلطات قديمًا، وقد سبق الدولة الحديثة في ذلك.
- من يقول: إن الفصل بين السلطات حرام؛ لأنه لم يكن موجودًا في الإسلام.
وكلاهما مخطئ، ولو أنهم حسّنوا تصوّراتهم لوجدوا أن الفصل بين السلطات بطريقته المعاصرة هي طريقة حديثة، وما كان موجودًا في السابق ليس فصلًا بالمعنى المعاصر.
جـ- تحقيق المناط، فمثلًا: «البرلمانات المعاصرة» هل هي شورى؟ أم ماذا؟ مَن يدرك الأدوات المعاصرة يستطيع أن يحكم عليها بأنها ليست من قبيل الشورى الموجودة في الفقه الإسلامي، وإنما هي من قبيل تقييم السلطة.
د- مراعاة المتغييرات.
المقدمة الخامسة عشر: مصادر السياسة الشرعية
ينتقد بعض المعاصرين الفقهاءَ بأنّهم قصروا في عنايتهم بالاجتهاد السياسي بحالته المعاصرة، وهذا النقد فيه خلل من وجهين:
الأول: تقصير الناقدين في البحث عن مظانّ السياسة الشرعية، فلا يصح الاقتصار على عناوين الكتب فقط.
الثاني: أنهم يطالبون الفقهاء بشيء لم يكن في زمانهم.
وإذا أردنا أن نفصل في المجالات الفقهية التي هي مظانّ السياسة الشرعية؛ فسنجد مادة كبيرة، فمن ذلك:
أ- الكتب المفردة بالأحكام السلطانية.
ب- الكتب المتعلقة بالقضاء.
جـ- الكتب المتعلقة بالجهاد.
د- الكتب المتعلقة بتصرفات الحاكم والسياسة.
هـ- الكتب المتعلقة بالأموال.
و- الكتب المتعلقة بالخَرَاج.
ز- الكتب المتعلقة بأدب الملوك.
حـ- الكتب المتعلقة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحسبة.
وغير ذلك من المظانّ.
المراجع في السياسة الشرعية:
يمكن تقسيم المراجع إلى عدّة أنواع، كلّ نوع منها يحقق جانبًا من جوانب السياسة الشرعية:
الأول: المداخل المعاصرة، ومما يندرج تحته من الكتب:
أ- كتاب «أضواء على السياسة الشرعية» د. سعد بن مطر العتيبي.
ب- كتاب «المدخل إلى السياسة الشرعية» د. عبد العال عطوة.
جـ- كتاب «المدخل إلى السياسة الشرعية والأنظمة المرعية» د. ناصر الغامدي.
الثاني: قواعد السياسة الشرعية، ومما يندرج تحته من الكتب:
أ- كتاب «سلطة ولي الأمر في الأحكام الاجتهادية» د. حمود الغشيمي.
ب- كتاب «تقييد المباح» د. حسين الموس.
جـ- كتاب «رفع الحاكم الخلاف» الشيخ عبد الله مزروع.
الثالث: أثر السياسة الشرعية في الأحكام، ومما يندرج تحته من الكتب:
أ- كتاب «أثر السياسة الشرعية في الأحكام التكليفية» د. نسيبة البغا.
ب- كتاب «السياسة الشرعية في الأحوال الشخصية» د. عبد الفتاح عمرو.
جـ- كتاب «تغيّر الظروف وأثره في اختلاف الأحكام» د. محمد القاسم المنسي.
د- كتاب «الحرية الاقتصادية ومدى سلطان الدولة في تقييدها» د. محمد الجنيد.
الرابع: الولاية وأحكامها، ومما يندرج تحته من الكتب:
أ- كتاب «نظرية الولاية» د. نزيه حماد.
ب- كتاب «ولاية التأديب الخاصة في الفقه الإسلامي» د. إبراهيم التَّنَم
جـ- كتاب «أهلية الولايات السلطانية في الفقه الإسلامي» د. عبد الله الطريد.
الخامس: اعتبار المصالح ومعارضته للنصوص، ومما يندرج تحته من الكتب:
أ- كتاب «قاعدة تغيّر الأحكام الاجتهادية وتطبيقاتها المعاصرة» د. أحمد الهبيط.
ب- كتاب «نظرية المصلحة في الفقه الإسلامي» د. حسين حامد حسان.
جـ- كتاب «الموازنة بين المصالح» أحمد الطائي.
د- كتاب «وقف العمل بالنصوص الشرعية» عزت الجرحي.
السادس: الكتب التأسيسة التراثية، وما يندرج تحته من الكتب:
أ- كتاب «الخراج» لأبي يوسف.
ب- كتاب «السير الكبير» لمحمد بن الحسن.
جـ- كتاب «الأموال» لأبي عُبيد.
د- كتاب «الغياثي» للجويني.
هـ- كتاب «الأحكام السلطانية» للماوردي.
و- كتاب «قواعد الأحكام» للعزّ بن عبد السلام.
ز- كتاب «الأحكام» للقرافي.
حــ- كتاب «السياسة الشرعية» لابن تيمية.
ط- كتاب «الطرق الحكمية» لابن القيم.
ي- كتاب «تبصرة الحكام» لابن فُرحون.
بارك الله فيك ما قصرت
بارك الله فيكم !
الساحة بحاجة إلى مثل هذا التأصيل الشرعي بدلا من الانجرار وراء العواطف والهوى
سبحان الله وبحمده
البناء المنهجي | الدفعة الأولى 🌼
المحتوى فى اى مستوى ومرحله يااخى
@@islamelsayed8553
المستوى الثاني اخر مرحلة
احسن الله اليك، شكرا@@-mahmoudbadwy2196
ما شاء الله تبارك الله، الشيخ ما ترك شيء بالموضوع إلا وقاله
الله يكتب أجره وينفع فيه
لا أدرى هل أنا وحدي من شعر بذلك أم لا .. لكن هذه المحاضرة القيمة أحزنتني كثيرا فما أبعد أحوال سياسات بلادنا عن نعيم وجمال هذا الكلام .. فبدلا من أن تكون رحمة للعباد هي عنت و محادة للوحي .. اللهم ردنا إلي دينك ردا جميلا و هيئ لنا من أمورنا رشدا و سخر لنا الصالحين المصلحين و ول علينا خيارنا
درر وفوائد يندر ان تجد مثلها محشودة بهذا الشكل الكبير الا في مثل هذه المحاضرات التي من الواضح ان الشيخ تعب في جمعها وترتيبها وإعدادها وصياغتها بهذا الشكل الجميل ف نصيحة خالصة اسمعها كم مرة وسجل ما يعجبك وترى انك ستحتاجه في يوم من الأيام...
جزى الله خير الجزاء وبارك في علمه وعمله
الجزء الثالث:
• أبواب السياسة الشرعية وموضوعاتها:
الباب الأول: النظام السياسي والدستوري "نظام الحكم": هو ما يتعلق بادارة شؤون الدولة الداخلية.
الباب الثاني: النظام القضائي.
الباب الثالث: النظام المالي والاقتصادي: تفرض تدخل الدولة لضبط النقد وحدود تصرفات الناس.
الباب الرابع: النظام الجنائي.
الباب الخامس: النظام الدولي.
* ولتكتمل جميع الأبواب الفقهية نضيف بابان: الأسري، العبادات.
• ثمرات أساسية في تطبيق السياسة الشرعية:
١- مراعاة المتغيرات المعاصرة التي تفرض علينا ضرورة العناية بالسياسة الشرعية؛ لأننا بدون هذه الاجتهادات الصحيحة سنقع في الانحراف والغلط في ظل وجود نظام غربي مسيطر على مجريات كثير من الأمور، وقوة تأثيره الثقافي والإعلامي والفكري على الناس.
٢- الاستغناء عن القوانين والسياسات الوضعية في تدبير شؤون الأمة؛ لأنها لا ترفع بالوحي رأسا، ولا تحتكم إلى الشريعة، ولا تبالي بكلام الله ولا رسوله في التشريعات.
٣- تحقيق المصالح ودفع المفاسد، وهي من المقاصد الشرعية المهمة.
• مشروعية العمل بالسياسة الشرعية:
* السياسة الشرعية هي ليست من محدثات المعاصرين أو من الاجتهادات الخاطئة بل هو أمر متفق عليه شرعا.
* السياسة الشرعية ليست دليل يحتج به بذاته، وإنما هي ألية نظر واجتهاد معتبر. (مثل الإجتهاد في الفقه).
* تكون الأدلة الشرعية في مشروعية العمل بالسياسة الشرعية على ستة أصول أساسية:
الأصل الأول: الأصول الاستدلالية الشرعية العامة. مثل: رفع الحرج، سد الذرائع، المصلحة المرسلة، العرف، الاستحسان، وفيها أدلة كثيره.
الأصل الثاني: القواعد الشرعية الكلية الدالة على: العدل، الإحسان، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الأصل الثالث: السياسة الشرعية في عهد النبي ﷺ كقوله أو عمله.
الأصل الرابع: اتفاق الخلفاء الراشدين في عملهم بالسياسة الشرعية.
الأصل الخامس: أن العمل بالسياسة الشرعية هو عمل بمقاصد الشريعة التي تسعى في جلب المصالح ودرء المفاسد، ومراعاة اختلاف الأحوال كالفقير والغني، والمرأة والرجل، ومراعاة الحالات الاستثنائية كالفقر، الضعف، الضرورة، السفر؛ فالسياسة الشرعية تحقق ذات المقاصد.
الأصل السادس: الشواهد القرآنية والنبوية الدالة على اعتبار العمل بالسياسة الشرعية مما يستخرج من مجموعه أصل كلي.
• خصائص السياسة الشرعية:
* قيمة معرفة خصائص السياسة الشرعية تحقق هدفين: هدف إيماني (حب الدين وتعزيز اليقين) ، كشف الحدود الفاصلة بين الدين الإسلامي وغيره من الأنظمة المختلفة.
وهذه الخصائص هي نفسها خصائص النظام الاجتماعي والاقتصادي والقضائي، ومن هذه الخصائص: الربانية، الشمول، الكمال، العدل، المبدئية.
وطبيعة هذه الخصائص أنها عامة جاءت لأجل تعميق التدين والانتماء للإسلام.
هذه الخصائص هي محاسن الإسلام في التصورات الكلية أما التطبيق الواقعي فيحتاج إلى اجتهاد وعمل ودراسات وأمور كثيره
• مركزية الإجتهاد في السياسة الشرعية:
* ضرورة أن يكون الاجتهاد واعي وحي وقوي ويمتلك أدوات عالية يستطيع من خلالها أن يقدم منهجاً شرعياً صحيحاً، والتقصير في هذا الاجتهاد سيؤثر على ترك الشريعة وتعطيلها.
* في السياسة الشرعية لا يبرء أي أحد خالف الشريعة وهو آثم ويحاسب عنها في الدنيا والآخرة.
* أهم أدوات الاجتهاد العلم بالواقع، وهذا يؤثر على المجتهد في تحسين تصوره للااجتهاد وذلك في: استدلالة، حكمه، تحقيق المناط، مراعات المتغيرات.
• مصادر السياسة الشرعية:
كانت العناية بالسياسة الشرعية كبيره جدا في المدونة التراثية، ومن النقد الشائع لبعض المعاصرين أنه يتحدث أن الفقهاء قد قصروا في عنايتهم بالنظام سياسي، وأن هناك كتابات محدوده، والحقيقة هذا تقصير كبير جدا؛ لأن ليس من مضان البحث البحث بالعناويين وإنما ايضا البحث في المحتوى، ومن ذلك: كتاب في الاحكام السلطانية (كتاب الماوردي وابي يعلى الفراء) ، كتب في القضاء (كتاب أدب القضاء/القاضي) ، كتب في الجهاد ، كتب متعلقة في تصرفات الحاكم والسياسة( كتاب تحرير الأحكام في تدبير الأنام لإبن جمعه) ، كتب في الأموال (كتاب ابي عبيد) ، كتب في الخراج ، كتب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وأيضا البعض يحكم عليهم بالتقصير؛ لأنهم لم يبحثوا في الأدوات المعاصرة لزمنه! فهذا تفكير عجيب فإن كنت ستنتقد انتقد من كان في عصرك.
تم بحمد الله
دعواتكم لي بالبركة.
بسم الله الرحمن الرحيم
وفقنا الله لما يحبه ويرضاه
البناء المنهجي الدفعة الثانية
مقطع مغمور بالفوائد ما شاء الله جزاك الله خير شيخنا الكريم❤️👏👏
منهجية واضحة وتدقيق مفاهيمي مسعف للسامع وموسوعية محمودة بالمذاهب الفقهية.
ملخص المحاضرة:
• المحور الأول: مفهوم السياسة الشرعية عند الفقهاء المتقدمين: يقول الغزالي إن السياسة الشرعية هي: استصلاح الخلق بارشادهم إلى الطريق المنجي في الدنيا والآخرة؛ فهي من الأنبياء على الخاصة والعامة في ظاهرهم وباطنهم، ومن السلاطين والملوك على كلٍ منهم في ظاهره لا غير، ومن العلماء -ورثة الأنبياء- على الخاصة في باطنهم لا غير.
وهذا تعريف عام للسياسة أما المعنى الرائج والأكثر يقصد به: تصرفات الحاكم المرتبطه بالاحكام الشرعيه والنصوص الفرعية كتقسيم الأموال.
هناك إطلاق آخر لمعنى السياسة الشرعية يقصد به: تصرفات الحاكم المصلحية بمعنى أنه لا يقصد به كل تصرف، وإنما التصرف المصلحي الذي يتعلق باجتهاد في إدارة شؤون الدولة فيما هو ليس من الأحكام الشرعية، وليس فيه تطبيق لأحكام الشريعة، وإنما هو من جنس الاستصلاح العام، وهو الأقرب لاستعمال المعاصرين للسياسة الشرعية.
الإطلاق الرابع: يخص المذهب الحنفي ويقصدون بالسياسة: العقوبات والتعازير التي يفرضها الحكام والقضاة على أصحاب الجنايات والجرائم.
الإطلاق الخامس: يقصدون بالسياسة الشرعية: البينات الموصلة للحق، بمعنى أن القاضي ينظر إلى البينات والقرائن حتى يصل إلى الحق.
إذا ليس هناك استعمال واحد عند الفقهاء المتقدمين لمفهوم السياسة الشرعية؛ فهناك من يضيقها إلى العقوبات وهناك من يوسعها إلى كل استصلاح حتى لو كان خارج تصرفات الحاكم كإصلاح العلماء أو الوالدين أو غير ذلك.
• المحور الثاني: مفهوم السياسة الشرعية عند المعاصرين:
هو التدابير المتعلقة بالشأن العام، مما تقتضيه المصلحة الشرعية، فيما لا نص فيه.
لا نص فية، تشمل ثلاثة أمور:
١- جميع المباحات داخله في السياسة الشرعية لأن لا نص فيها.
فالأنظمة التي تطبق لتنظيم حياة الناس هذه من المباحات.
٢-التخير، بعض الأمور يخيرها الشرع للحاكم فيرى الأصلح والانفع.
مثال: حكم المحارب (قاطع الطريق) يقول تعالى:(إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض) ففي مذهب المالكية الحاكم مخير في اختيار العقوبة.
٣- ما جاء فيه نص قد تغير لارتباطه بعرف أو مصلحة متغيرة، فيكون لا نص فيه لأن هذا النص كان مرتبط بمصلحة أو عرف وقد تغير.
مثال: في زمن النبي كان الأصل في الناس العدل حتى يثبت عكس ذلك، وعندما تغير الزمان وكثر الكذب والفحش، تغير الحكم لتغير العرف؛ فأصبح الأصل الفسق حتى يثبت عكس ذلك، وليس بالضرورة هنا أن نثبت ما الصحيح، وإنما المقصد أن الحكم قابل للاجتهاد وليس من المسائل القطعية التي لا اجتهاد فيها.
مثال على مصلحة متغيرة: التسعير، عندما غلت الأسعار في زمن النبي طلب الصحابة من النبي أن يسعر؛ فرفض ذلك، فذهب بعض العلماء إلى منع التسعير مطلقا، وذهب أكثر العلماء إلى أن الحديث هنا ليس فيه منع للتسعير مطلقا، وإنما تصرف النبي هنا لعدم وجود مصلحة من التسعير، فإذا تغير الحال وأصبح هناك مصلحة للتسعير فإنه لا حرج في ذلك.
هناك قاعده مهمه جدا في ذلك وهي: أي اجتهاد يدعي تغير الحكم بتغير عرفه أو مصلحته لابد أن لا يعود على الأصل "النص" بالنقض.
٤- عندما يأتي حكم في نص أقوى من نص آخر أو مماثل له، فهنا يأتي الاجتهاد المعتبر، ومن ذلك أيضا إذا دخل الموضوع ضرورة او حاجة بضابطها أو عجز او مصلحة معتبره شرعا أو تخلفت أحد الشروط، كل هذه المساحة سائغة في السياسة الشرعية.
مقطع ثري وقيم جزاكم الله خيرا
الجزء الثاني:
• حدود ما لا يدخل في السياسة الشرعية: ١- الاحكام القطعية، اي حكم شرعي جاءت الشريعة بالقطع فيه، ولا يحتمل الاجتهاد؛ فهو غير داخل في الأحكام الشرعية، كتحريم الزنا، الخمر، حكم المواريث، فالسياسة الشرعية تدخل عليها من جهة: الاجراءات التنفيذية، إذا جاء هذا الحكم متغيرات مؤثرة كضرورة أو حاجة. ٢- العبادات المحظة: الصلاة، الحج، إلا من باب تنظيم هذه العبادات ٣- الأنصبة والمقادير التي قدرتها الشريعة، كنصاب الزكاة، المواريث، الجلدات، الديات. ٤- الأحكام الفقهية في غير الشأن العام، كالعلاقة بين البائع والمشتري. ٥- الفتوى في القضايا السلطانية. ٦- الولايات الخاصة كولاية الاب على أطفاله، الولايه على السفيه، المجنون. • أوصاف التأثير في السياسة الشرعية: ١- الإلزام، فالالزام الذي يملكه السلطان او الحاكم يغير الأحكام؛ فقد يكون موسع فيصبح مضيق، أو فرض كفاية فيكون فرض عين أو حلالا فيصبح ممنوعا لمصلحه يراها.
جزاك الله خيراً يا شيخ ونفع بكم.
بوركت
محاضرات الدكتور فهد دسمة جدا 😅
لا تكاد تستطيع أن تستغني عن دقيقة من كلامه☺️
بارك الله فيكم
بارك الله فيك
مقدمات أساسية في السياسة الشرعية
البناء المنهجى
دفعة العزم ،،،،
البِناء المنهجي ، دفعة ١ ، مررنا هنا ١٤٤٤.
جزاك الله خيرا وبارك في جهودكم شيخنا الجليل...
اريد من فضليتكم ورقة أو محاضرة بعنوان المنهجية العلمية لدراسة علم السياسة الشرعية والتخصص فيه ...
وما هوا القدر الكافي من باقي علوم الشريعة بالنسبة للدارس الذي يريد أن يتخصص في هذا المجال .
وجزاكم الله خيرا .
واريد رقم الواتس آب لحضرتك للتواصل المباشر والإستفسارات .
قوانين المرور وقوانين العبور
إن الحكومة التي تحكم دولة ما تضع قوانين لحركة المركبات في الشوارع، من التزم بها أمن من تسجيل المخالفات والعقوبات وسلم من الحوادث، وكذلك الله عز وجل الحاكم للوجود القائم، وضع سننا وقوانينا لحركة الإنسان ولعبوره لمرحلتي النشأة والحياة إلى محطة المصير، من التزم بها أمن من تسجيل الذنوب والسيئات والعقوبات الدنيوية الجلية الظاهرة والخفية الباطنة ومن العقوبات الأخروية وسلم من الحوادث، ومثلما للفرد سنن وقوانين تحكم وتضبط إيقاع حركته وعبوره للزمن، كذلك للمجتمع سنن وقوانين تحكم وتضبط إيقاع حركته وعبوره للزمن .
فهذا الاضطراب والخلل الذي أصاب حركة الحياة والمجتمعات حدث بسبب مخالفة معظم الأفراد وكل السلطات الحاكمة لقوانين العبور لمرحلة الحياة نحو محطة المصير، أو للسنن والقوانين الحاكمة للوجود القائم أو لحركة الحياة والتي وضعها رب العالمين .
وما يغيب عن إدراك معظم الناس، هو بأن لهم شركاء في عبورهم للزمن وفي حركتهم في الحياة، وهم إبليس وذريته من شياطين الجن الذين يعادون الإنسان، وأولئك الشركاء يصبح لهم سلطان وتمكن وسيطرة على من توفرت فيهم أسباب التسلط والسيطرة والتمكن، وهي الكفر والنفاق والشرك بالله واتباع خطوات الشيطان، والمشكلة بأن من تتسلط عليه الشياطين لا يشعر بتسلطها وسيطرتها وتمكنها، حيث ستقوم ببناء أفكاره ومفاهيمه وتصوراته وستتحكم بردود أفعاله وستطمس بصيرته وستضيق مداركه وأفقه مما يجعله ينحرف عن الصراط المستقيم ليصبح إما من المغضوب عليهم أو من الضالين .
قال تعالى ( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ (82)) الأنعام، قال تعالى ( ...إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)) لقمان . ( الْأَمْن ُ) أي الأمن الروحي )أي الأمن من تسلط الشياطين والأمن الفكري
قال تعالى ( قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَٰذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) ) الحجر.
ومثلما للإنسان سفرات مكانية ينتقل فيها من مكان إلى مكان ويعبر المسافات، كذلك له سفرة زمانية.ينتقل فيها من مرحلة الولادة والحياة إلى مرحلة المصير عبر الزمن، فالإلتزام ( بقوانين العبور ) يحقق سلامة الحياة، فالمشرع - عز وجل - قد بين لنا الشارع والدرب والطريق عبر الزمن، أي بين لنا السنن والقوانين وزودنا بخارطة واضحة المعالم و ببوصلة تحدد المسار وبمنظار يكشف الأخطار من أجل عبور آمن ووصول سالم .
قال تعالى ( شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ (13) ) الشورى.
مر زمن ومضى، وانحرف بالناس الهوى وانحدر بهم إلى الردى بعيدا عن الهدى، فلا هدى الا لمن اتقى وبالنبي قد اقتدى.
من يقرأ مقال ( قوانين المرور وقوانين العبور ) سيعرف بأن السياسة وإدارة حركة المجتمع في الإسلام ( مسألة فنية ) تحكمها سنن وقوانين ربانية لا يحسن التعامل وفقها مَن لم يتدارسها وهو يحتكم لهواه وذوقه او لهوى ورغبة الأقوياء أو المستقوين بالغرب، كما لا يحسن التعامل وفقها من انفصل قلبه وعقله عن بصائر الوحي، فهو على هذا الأساس ستتسلط عليه الشياطين وعلى أفراد المجتمع الغافلين عن الحقيقة، فالله القوي العزيز لم يسن السنن والقوانين دون أن ينزل العقوبة الدنيوية السريعة والشديدة على من يتجاهلها ويتعامى عنها ويخالفها، بل سيسلط عليه الشياطين التي تقوم ببناء أفكاره ومفاهيمه وتصوراته، ومن ضمن العقوبة سلب شعور ووعي من نزلت بهم العقوبات الربانية الشديدة الخفية، فلا يصح أن يحكم المسلمين من قبل من طمست بصائرهم واختلت موازين عقولهم وفقدوا الوعي والإحساس بعد ما فقدوا التحصين ضد الشياطين .
معذور معذور معذور
معذور
موف
رؤية سياسية من زاوية إسلامية
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله : ( وقد أوعبتُ في كل فن من فنون العلم إيعاباً، من نور الله قلبه هداه بما يبلغه من ذلك، ومن أعماه لم تزده كثرة الكتب إلا حيرة وخبالاً )
كنت كثيرا ما أفكر في الأمر وأراجع نفسي وأتدبر وأتفكر في تأويل الآية ( 79 ) من سورة الكهف ( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا ) …
حيث كتبت الآتي في مقال ( إلى أصحاب السفينة ) :- …
(( فالمعنى الظاهر يختلف عن المعنى الباطن كما تختلف معاني المفردات .
* في الظاهر : السفينة هي السفينة المعروفة التي تعبر في الناس البحر .
وفي الباطن : السفينة هي النظام السياسي الذي يعبر بالناس الزمن
* في الظاهر : المساكين قليلوا المال ولا يملكون الا السفينة ليعتاشوا من ورائها .
وفي الباطن : المساكين هم قليلوا العلم والمعرفة الذين قل وعيهم وطمست بصائرهم ولا يدركون حقائق الأشياء مع اختلاف صفاتهم وطباعهم، فمنهم خبيث ومجرم عتل شقي، ومنهم طيب حبيب مسالم تقي، ومنهم غني ومنهم فقير لا يملك المال، أو مسكين يملك قليلا من المال، ومنهم حاكم ومنهم محكوم،ومع اختلاف أسباب قلة علمهم ومعرفتهم .
* في الظاهر : يعملون في البحر أي يعملون على ظهر السفينة لنقل المسافرين والبضائع في البحر .
وفي الباطن : يعملون في بحر الظلمات بعد غياب الحقيقة، والظلمات ظلمات العقل والجهل، وهي كانت ظلمات تتزايد كلما تقدم الزمن وكلما ارتفع موج الطغيان السياسي على الناس، حتى وصل الحال إلى ظلمة حالكة السواد فتن فيها الناس بمخرجات عقل الكسب والوظيفة والمعيشة الذي توجده المدرسة الغربية التي تفصل عقول وقلوب الدارسين عن بصائر الوحي.
* في الظاهر : ملك يأخذ السفن الصالحة غصبا عن أصحابها، بواسطة جنده … يتبع
*وفي الباطن : الملك هو إبليس الذي يمكنه أخذ واغتصاب الأنظمة السياسية التي عطلت الشورى واستبدلتها ببدعتي القهر والغلبة والتوريث أو التي لم تحكم بالشرع المنزل، واستبدلت سنة الطواف في فلك أفكار الرسالة ببدعة الطواف في فلك الأشخاص وأفكارهم الخاطئة والفاسدة وفي فلك الأشياء، وهو يأخذها غصبا بواسطة جنده من بعض شياطين الجن أيضا، أو بعض ذريته، فإبليس مسلط من الله عز وجل ليغتصب الحكم ثم يقوم بتطويعه لتحقيق أهدافه الشريرة، وهذا من إحدى السنن والقوانين التي لم يعرها بعض العلماء اهتماما مما جعل الحقائق تغيب عنهم .)) انتهى
وبعد التدبر والتأمل والنظر ومراجعتي للأمر وجدت أن هناك حديثا صحيحا مشهورا لدى بعض العوام كثيرا ما يستدل به علماء السلطة على وجوب طاعة أمر الأمير أو الحاكم وهو في نفس الوقت يثبت ما ذهبت إليه بقيام إبليس بواسطة بعض ذريته من شياطين الجن بأخذ وأغتصاب كل سفينة - أي نظام سياسي - لا يحكم بشرع الله عز وجل ولا يستن أهله بسنة النبي ولا يهتدون بهدية ( وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا )
قال حذيفة بن اليمان قلت: يا رسول الله إنا كنا بشر فجاء الله بخير فنحن فيه فهل من وراء هذا الخير شر، قال: نعم، قلت: هل وراء ذلك الشر خير، قال: نعم، قلت: فهل وراء ذلك الخير شر، قال: نعم، قلت: كيف؟ قال: يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي ( وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس ) قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك، قال: تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع. رواه مسلم في صحيحه وقد رواه الحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي والألباني .
فهذا الحديث العظيم يجلي الصورة الخفية لما جاء في الآية ( وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا ) وهي صورة جلية لمن سلك سبيل من أنعم الله عليهم بالهدى ونور اليقين وهو الولاء المطلق لله عز وجل ولأفكار الرسالة .
من مقال رؤية سياسية من زاوية إسلامية
11:30
معذور
موف