متحف دار العنابى Dar Annabi Museum, Tunisia

Поділитися
Вставка
  • Опубліковано 28 січ 2025
  • لكل حضارة عمرانها ومبانيها وتفاصيلها المختلفة في التشييد والبناء , والعمران التونسي ليس كغيره حتى وإن تأثر بالحضارتين الأندلسية والمصرية اللتين كونتا معاً عمارة مبتكرة لم يسبق لها مثيل في تاريخ إفريقيا وليس لها شبيه في المغرب أو المشرق، فالمباني التونسية حتى وإن كانت تتفق مع الحضارات الأخرى في خطوطها العريضة إلا أن تفاصيلها الدقيقة والمبهجة لها خصوصيتها الشديدة والمتفردة .
    ومن بين مباني تونس الأثرية يبقى متحف دار العنابي أحد أهم المتاحف المفتوحة التي تفصح عن تلك العمارة فالمتأمل له سيدرك أنه ليس أمام مجرد منزل وحسب وإنما يمكنه أن يطالع تونس الخضراء , بتفاصيلها التراثية , وحياتها اليومية , ومنازلها المبهجة وأشياء أخرى يتحدث عنها كل ركن في ذلك البيت العتيق .
    تقول الوثائق إن دار العنابي في الأصل منزل كبير يعود للمفتي العنابي شيد في القرن الثامن عشر ويتكون من حوالي 50 غرفة. يقدم هذا المتحف الخاص مجموعة كبيرة من اللباس التقليدي التونسي وإعادة تشكيل الحياة اليومية لعائلة تقليدية في منزل عتيق من منازل العاصمة وذلك عبر مجسمات بشرية ومواد وقطع تقليدية، معروضة في مختلف غرف المنزل والصالونات والمكتبة الخاصة والحديقة التركية والأفنية.
    وبجمل بسيطة يمكن القول أن متحف دار العنابي أحد أهم المتاحف في المدينة وأبسطها وأعمقها في الوقت نفسه ، وهو عبارة عن بيت صيفي قديم وفخم تم بناؤه على النمط المعماري التونسي المستوحى من الطابع الأندلسي الرائع، في القرن الثامن عشر الميلادي من قبل المفتي محمد العنابي. للبيت فناء جميل تتوزع في محيطه الغرف المختلفة التي تحتوي على الأثاث الأصلي القديم، مع مجموعة من التماثيل التي تعبر عن التقاليد والطابع العام لهذا المجتمع مثل التماثيل الشمعية التي تمثل حفلة الحناء للعروس. فضلا عن المكتبة التي تحتوي على مجموعة كبيرة من الكتب العربية القديمة.
    في سيدي بوسعيد التونسية تتشابه المنازل، فمعظمها بيضاء ذات أبواب مزيّنة بنقوش يغلب عليها اللون الأزرق، لكن دار العنابي قادرة أن تجذبك من بين كلّ البيوت، إستحقت معه أن تكون متحفاً للتراث البوسعيدي والتونسي.
    تصل الدار فتجدها شامخة في هدوء، رغم ضجيج السياح وباعة الصناعات التقليدية المحيطين بها. تلفت انتباهك ساحة أو بهو على الطراز الأندلسي، تتفرّع منها ممرّات، ولكلّ ممرّ قصّة تجذبك إليها. في هذه الساحة، مقاعد مزيّنة بحجر الموزاييك، ونافورة ماء وأشجار ياسمين وحنّة ونباتات أخرى، كلّ هذا يبعث سكينة تفرض عليك الجلوس لشرب الشاي التونسي وإمتاع العين والقلب.
    هي لحظات ويوقظك نسيم الأشجار، فتلقي النظر إلى الممرّات محاولاً اختيار وجهت وكل وجهة فيها لها ما يميزها عن غيرها حتى لو تشابكت التفاصيل وتناسقت وتناغمت
    قد يشدّ انتباهك درج خارجي، يقود إلى جناح كانت عائلة العنابي تخصّصه للضيوف، مكوّن من حديقة وغرف نوم وكل لوازم الراحة، هي هكذا العائلة التونسية عبر التاريخ تحب الضيف وتحسن استقباله.
    وفي دار مفتي تونس، تخصّص قاعة للصلاة، وتُعتمد أيضاً لقراءة القرآن والأدعية والروحانيات، وهي خاصية في مدينة منسوبة للولي الصالح "أبو سعيد الباجي"، المدفون بها، والذي اعتاد أبناء المدينة حضور "خرجته" البهيجة.
    تتعدّد الأبواب في دار العنابي، والجامع بينها ضخامتها وزخرفتها ومساميرها السود، التي تحدّد إطار الزخرفات. تُفشي هذه الأبواب مكوّنات المنزل الفريدة، فهذه جلسة صيفية رائقة، وهناك قاعة استقبال فسيحة، جدرانها أشبه بمعرض فني، وتلك غرفة أخرى يعود أثاثها للقرن 19 وهكذا كل شئ وكل تفصيلة تنطق بالجمال وتحدث به .
    وفي الوقت نفسه تكشف الدار عن جناح خاص يحتوي على تماثيل من الشمع تُجسّد مشاهد من الحياة اليومية للتونسي، أصيل سيدي بوسعيد، في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، والتي اندثر بعضها مع مرور الزمن لكنها هنا باقية في مجسمات فنية بديعة .
    وفي دار العنابي أيضاً مكتبة ضخمة تحتوي مخطوطات وكتباً ووثائق نادرة تتوه وأنت تحاول اكتشافها. هكذا إذن ملهمةٌ هي هذه الدار، كما كانت سيدي بوسعيد ملهمة لأجيال من الكتّاب والفنانين.
    كان يمكن لدار العنابي، الشاهدة اليوم على تراث تونسي عريق، أن تلاقي مصير غيرها من المنازل التي هدمت أو أهملت، لكن الطيب العنابي، ابن المفتي محمد العنابي، والنائب السابق بالبرلمان التونسي، أعاد تهيئتها خلال القرن العشرين، ورممها وأعاد لها رونقها وبريقها الخاص , وحافظت هكذا عائلة العنابي على إرث العائلة، الذي صار تدريجياً يمثّل إرث سيدي بوسعيد، وجزءاً من التراث التونسي الأصيل.
    وسيدي بوسعيد ضاحية سياحية في شمال شرق تونس العاصمة، تقع في أعلى منحدر صخري، يطلّ على قرطاج وخليج تونس، وتعتبر من أبرز المناطق السياحية في تونس.
    في هذه الدار تشعر بالونس والدفء , ربما للوهلة الأولى تنجذب لتفاصيلها الملهمة , لكن الأجمل أنك تشعر بعد دقائق أنك في بيتك أو في بيت عائلتك ويسرقك الوقت فيها، ، وتصافح ماضي تونس في جميع التفاصيل، حتى في الأواني الفخارية أو البلورية أو ربما الفسيفساء التي تزيّن الأرض والجدران، أو بعض اللوحات النادرة التي تحدث عن البيت ومن كانوا فيه .
    وبهذا البيت وغيره من بيوت العاصمة تعتز تونس العتيقة بصروحها التي عمرتها الحضارات المتعاقبة من بيزنطية ورومانية وحفصية وإسلامية وغيرها مازالت شامخة حيث عجز العمران الحديث عن إلغاء قيمة وجمال المنازل التي توارثتها الأجيال وحافظت على رونقها التراثي بعمليات ترميم دورية تحرص عليها بلدية تونس العاصمة.

КОМЕНТАРІ •