(2346) موعد مع الموت

Поділитися
Вставка
  • Опубліковано 4 чер 2024
  • موعد مع الموت
    بقلم: خالص جلبي
    كان الموعد مع الموت عند الفجر؛ فلم يدر في خلد (محمد باشا)، العامل الهندي، ولا للحظة أن بينه وبين الموت شراك نعل، عندما طلب منه البعض توصيلة (ديلفري Delivery) طعام لبعض الشباب، الذين طلبوا طعاما جاهزا. وهنا لا نعلم بالضبط ما ذا حدث؟ وكيف وقعت المهاوشة (بالمغربية كيدابزو)؟ ومن المذنب في إثارة الصراع الدموي؟ ولكن الأكيد أن العامل الهندي صاحب الـ36 عاما فارق هذه الحياة الفانية إلى دار القرار، والأكيد أيضا أن جراح الأوعية الدموية لم يستطع أن يفعل له شيئا أيضا، وكان ذلك في مناوبتي.
    طُلبت للإسعاف عند الساعة الثانية و50 دقيقة صباحا، وهو الوقت المعروف للكوارث، كانت رنة البيجر، ورقم مكان الطلب واضحا، أن هناك كارثة في الإسعاف.
    كان الرقم يقول إنه في غرفة الطوارئ القصوى، فسارعت يغالب النعاس عيني، وأجرجر رجلي المثقلتين في مثل هذا السحر، لقيام ليل وتهجد غير مستعد له.
    وفي الطريق بعد أن ودعت زوجتي؛ فزوجة الجراح تستيقظ مرعوبة على رنين البيجر كما اعتاد زوجها، ليقول لها: قد تكون الليلة طويلة جدا يا عزيزتي، ولسوف أتصل بك من قاعة العمليات، أو أنني سوف أرجع إلى فراشي صباحا بعد شروق الشمس..
    هذا إذا كان محظوظا وإلا فقد يطول الوقت إلى الضحى وأكثر..عندما دخلت غرفة الأشباح والأرواح، أي غرفة الإنعاش الخطيرة؛ لأن كثيرا من زوارها يدخلونها في سكرات الموت، فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون..
    وقعت عيناي على شاب مسجى مربوط إلى أنابيب الإنعاش، ولكن بكل أسف بحدقات متوسعة لا تتفاعل للنور، علامة على بدء رحلة موت الدماغ. وحين حاولت تفقد مكان الإصابة، لاحظت فتحة في شريان الفخذ الكبير قادته للهلاك.
    عندها تذكرت شريطا طويلا من قائمة الأموات، التي سوف ينضم إليها محمد باشا، العامل الهندي البائس الفقير.
    تذكرت تلك المرأة البدينة التي نقلت بعد حادثة الصدم في السيارة، كيف ماتت على طاولة النقل؟
    وتذكرت ذلك العامل التايلاندي الذي كان ينزف بغزارة، لم يتمكن من نقله حتى إلى قاعة العمليات، فكان الموت إليه أسرع.
    وكذلك الحال مع محمد باشا، الذي عرفنا اسمه بالصدفة، وقد يكون غير صحيح، فهؤلاء المجاهدون لكسب عيش أولادهم وعائلاتهم يبقون في كثير من الأوقات جنودا مجهولين.
    تمنيت أن أعرف ظروف قتل هذا الرجل فلم أعرف، كل ما عرفناه أنه كان مطعونا بسكين بضربة واحدة فقط (جابت أجله). في الفخذ طعنة واحدة مالها من فواق، ولكنه قدر الموت، فقد جاءت الإصابة تماما في الشريان الفخذي الخطير، ولأن المصاب بقي في الشارع ينزف طويلا بعد أن هرب الجناة؛ فقد خسر من الدم ما يكفي أن يخسر حياته.
    ونحن كائنات هشة نموت بأبسط الأسباب.. ولكنها قصة عجيبة أن يموت شاب قوي من طعنة في الفخذ، فتكون في الشريان، فيأتي أجله منها متدفقا، وكما تدفق الدم من الشريان للخارج، كذلك خرجت روحه.. فكرت في كمية الناس الذين تم إنقاذهم في هذه الغرفة التي تضحك وتبكي.
    تذكرت الشاب الذي قلبت عليه سيارته، فهشمت العظم وقطعت الشرايين عند المغبن (المنطقة التناسلية)، وكان محظوظا أنه لم يمت تحت السيارة، فنقل إلى الإسعاف وبدأ النزف يشتد مباشرة بعد نقل الدم والسوائل لإسعافه وتحسن ضغطه ونبضه، وكيف هرعت به إلى قاعة العمليات بدون المزيد من تضييع أي وقت في التشخيص، فالتشخيص كان يقول افتح وانقذ.. وهذا الذي كان فقد أنقذ، وتم ضبط نزف الشريان الفخذي، الذي مات منه محمد باشا، وتمت عملية تصنيع الشريان.
    وحسب معرفتي عن مدير البنك الألماني الاتحادي سابقا (هاوزن)، الذي قتل على يد الإرهابيين من جماعة بادر ماينهوف، كان بسبب شظية اخترقت الشريان الفخذي، ولو تهيأ للرجل من يوقف النزف لنجا من الموت، ولكن سبق القول إنه لن تموت نفس إلا بإذن الله كتابا مؤجلا. وفي الحروب يموت الكثير بسبب النزف، ولو أمكن الوصول إلى مكان النزف وإيقافه لنجا المصاب. ونصيحتي للقارئ إن رأيت نزفا، فاضغط فوق المكان ما أمكنك.. فوق المكان…لا أدنى منه… ولا أعلى.. ويبقى الشريان الفخذي من أخطر الشرايين نزفا، فيقضي على صاحبه في وقت قصير. وفي الطب نعلم أن خسارة ثلث أو نصف حجم الدم في وقت قصير، يدخل المصاب في صدمة غير قابلة للعودة (Irreversible Shock).وهنا يأتي حزننا مضاعفا لمثل هذه الإصابات، فحين نعجز عن الإنقاذ ويموت المصاب، فلن يموت هو لوحده، بل سيأخذ معه آخر بالقصاص إلى العالم الآخر، ما لم يعف أولياء الدم… فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا.. أو الحبس المؤبد أو الطويل في بلاد لا تحكم بالإعدام، وهي شبه إعدام من الحياة الاجتماعية.
    وأوربا وصلت إلى إلغاء حكم الإعدام تحت هذه الفكرة، وأنه ما من جريمة إلا وظروف اجتماعية تطوقها، وهو ما نجا رقبة أوجلان الكردي، بعد ضغط أوربا على تركيا بأنها لن تدخل إلى الاتحاد الأوربي إلا بشروطها بإلغاء حكم الإعدام!
    ولا أنسى منظر الشاب الذي طلبنا له، ونحن في قمم جبال عسير في النماص إلى بيشة، فطرنا إلى المشفى بدون أجنحة، بسبب قصة عرض وشرف ودم وضرب بالرصاص في البطن ونزف مريع، وبمجرد فتح البطن تدفق دم كالسيل العرم، وخلال دقائق كان المصاب في العالم الآخر يشكو ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، كما حصل مع العامل الهندي الفقير، وكان يمكن أن يعيش نصف قرن أخرى، فجاء أجله في البعد والمعاناة والغربة والفقر والنكد والتعتير قتيلا مقتولا بمهاوشة تافهة، فما أرخص الإنسان؟

КОМЕНТАРІ • 2

  • @h-818
    @h-818 Місяць тому

    ما رأيك دكتور بتجارب الاقتراب من الموت التي انتشر الحديث عنها في العقود الاخيره خاصه بعد صدور كتاب د. ريموند مودي.
    وهل روى لك أحد مرضاك تجربة مشابهة