ما حكم الإرسال عن غير واحد؟ وهل وقع بيان المقصود من هذا اللفظ كما حصل بالنسبة لعدّة الشيخ الكليني؟ basaer-qom.com/q14 بسم الله الرحمن الرحيم وقع الكلام بين الأعلام في حكم الإرسال عن غير واحد، وإن كان بحكم الرواية عن ثقة أو لا؟ واستشكل في ذلك الشيخ محمد بن الحسن العاملي (م1030هـ ق)، فقال تعليقاً على مرسلة من مراسيل ابن أبي عمير، وفيها الإرسال عن غير واحد: >وقد قدّمنا القول في مراسيل ابن أبي عمير غير مرّة، وتخيّل أنّ مثل هذا الإرسال لا يضرّ بالحال على تقدير التوقّف في مراسيل ابن أبي عمير نظراً إلى قوله: عن غير واحد، يدفعه أنّ غير الواحد مع عدم التوثيق والمدح لا يفيد حكماً
الأمر الأوّل: أنّ >غير واحد< في اللغة وإن كانت تطلق على الإثنين، إلاّ أنّه لا إشكال في أنّ المقصود من مثل هذا التعبير الجمع، بل قال التقي المجلسيS: >لكنّه يطلق عرفاً على جماعةٍ كثيرةهذا التعبير إنّما يصح فيما إذا كان راوي الخبر كثيرين، ولا يُطلق عند كون راويه واحداً أو اثنين كما هو المتفاهم العرفي من مثله في زماننا هذا، فإنّ فقيهاً إذا كتب في كتابه أنّ القول الكذائي قال به غير واحد من أصحابنا، يستفاد منه لدى العرف أنّه قول قال به كثيرون، وإن كان بحسب المفهوم اللغوي صادقاً على اثنين؛ لأنّه أيضاً غير واحدغير واحد< سنخ كثرة موجبة لتجاوز إشكاليّة الإرسال؛ باعتبار أنّ هذه الواسطة تعبّر عن مجموعة كثيرة من الرواة، فيكون المروي ثابتاً بوضوح عند الراوي، فابن أبي عمير -مثلاً - عندما ينقل عن غير واحد عن الإمام الصادقg، فهو يحكي وضوح ثبوت المضمون عن الإمام الصادقg. وإلى هذا يرجع قول المقدّس الأردبيليS: >وكذا قوله: عن غير واحد، كأنّه يدل على نقله عن كثير فلا يبعد العمل بهالا يضر إرسالها؛ لأنّ في قوله: عن غير واحد من أصحابه، إشعاراً باستفاضة ذلك عندهإشعاراً بثبوت مدلولها عندهلأنّ الرواية عن غير واحد، مما يؤذن بالاستفاضة، وهي أظهر في الصحة عن الرواية عن الثقة المتحدلعدم تحقق الإرسال بمثل غير واحدأمّا إذا روى الراوي عن غير واحدٍ، فهو كاشف عن كون الرواية معروفة متواترة أو ما يقرب منها عند الرواة، كما أنّ هذا التعبير بعينه دارج اليوم، فتراهم أنّ القضية إذا كانت معروفة يقولون: إنّها مما نقله غير واحد، فمثله خارج عن الإرسالالظاهر في اشتهار الروايةمع ظهور الإرسال عن غير واحد في اشتهار الحديث
الأمر الثاني: ملاحظة حساب الاحتمالات، وهو مرتبط بخصوص بعض الرواة المعلوم مشايخهم، وكون الطابع العامّ فيهم الوثاقة، أو أنّ الطابع العامّ الرواية عن الثقات على تدقيقات رياضية لا يهمّنا التعرّض لها هنا. وهذا الطريق يمكن أن تُحمل عليه جملة من كلمات السيّد الخوئيS أيضاً، فقد قال تارةً عند الحديث عن مرسلة يونس عن غير واحد: >احتمال أن تكون العدّة بأجمعهم من الضعفاء ضعيف لا يعتنى بمثلهيدلّ على أنّ المروي عنه جماعة كثيرون بحيث لا يحتمل عادة عدم وثاقة واحد منهمفإنّ الإرسال بمثل ما في الرواية من التعبير بالعدة والجماعة وغير واحد ظاهره في عدم انحصار راويها بواحد أو اثنين، ومع كثرة رواته لا تخلو رواته عن الثقة والعدل كما يظهر بوضوح بملاحظة من روى عنه جميللأنّه يرسله عن غير واحد، الظاهر في الجمع الذي أقلّه ثلاثة، وقد تقدّم غير مرّة أنّ احتمال كونهم جميعاً غير ثقات احتمال ضعيف بدرجة يطمئن بخلافه بحساب الاحتمالات؛ لأنّ مجموع مشايخ ابن أبي عمير حوالي أربعمائة راوٍ، ومن الثابت الضعف منهم بدليل معتبر لا يزيدون على خمسة، فيكون احتمال أن يكون المرسَل عنه إذا كان واحد أحد الخمسة 1 / 80، وإذا كانوا ثلاثة: 1 / 512000، وهذا احتمال ضئيل جداً في قبال القطع أو الاطمئنان القوي جداً كما أفاده سيدنا الأستاذS في بعض تحقيقاتهودعوى أنّ الإرسال المذكور كإرسال ابن عمير عن غير واحد من أصحابنا لا يضرّ باعتبارها؛ لأنّ الواسطة بين موسى والإمامg جماعة الأصحاب، لا يمكن المساعدة عليها؛ لأنّ موسى بن القاسم لا يمكن عادةً أن يروي عن الصادقينh بواسطة واحدة، والتعبير بأصحابنا لرعاية طبقتين أو الأزيد من الواسطة، وهذا معناه الإرسال لصدقه مع كون الراوي عن الإمام واحداً لم يثبت وثاقته
[1] استقصاء ا لاعتبار، ج7، ص312. [2] روضة المتقين، ج8، ص292. [3] التنقيح (المطبوع ضمن الموسوعة)، ج7، ص149. [4] مجمع الفائدة والبرهان، ج1، ص148. [5] المدارك، ج1، ص152. [6] استقصاء الاعتبار، ج2، ص76. [7] الحدائق، ج24، ص603. [8] الرياض، ج1، ص269. [9] التنقيح (المطبوع ضمن الموسوعة)، ج6، ص98. [10] المهذب، ج3، ص214. [11] مصباح المنهاج _ كتاب الطهارة، ج3، ص39. [12] مصباح المنهاج _ كتاب الطهارة، ج3، ص87. [13] ولا يخفى أنّ البحث على هذا مبني على القول بحجية الخبر المستفيض، وأنّ رواية الثلاثة فصاعداً من موجبات الوثوق بالصدوق نوعاً، وإلّا فمن يشكك في ذلك يمكن له التشكيك بأصل هذه الطريقة من هذه الجهة. [14] التنقيح (المطبوع ضمن الموسوعة)، ج7، ص149. [15] المستند (المطبوع ضمن الموسوعة)، ج12، ص149. [16] أسس القضاء والشهادات، ص178. [17] كتاب الخمس، ج1، ص212. [18] وهذا المعنى يمكن استظهاره من بعض كلمات العلامة المجلسي المنقولة في هامش البحار، ج85، ص272، حيث قال تعليقاً على بعض الأخبار: >وإرسال ابن سنان مع جلالته عن غير واحد يخرجه عن الإرسالوكذا الحسن بن محمد بن سماعة عن غير واحد عن أبان بن عثمان، فقد فسّره في التهذيب في غير موضع بأحمد بن الحسن الميثمي، ومحمد بن أبي حمزة والحسين بن هاشم وعلي بن الحسن بن رباط وصفوان بن يحيى
ما حكم الإرسال عن غير واحد؟ وهل وقع بيان المقصود من هذا اللفظ كما حصل بالنسبة لعدّة الشيخ الكليني؟
basaer-qom.com/q14
بسم الله الرحمن الرحيم
وقع الكلام بين الأعلام في حكم الإرسال عن غير واحد، وإن كان بحكم الرواية عن ثقة أو لا؟ واستشكل في ذلك الشيخ محمد بن الحسن العاملي (م1030هـ ق)، فقال تعليقاً على مرسلة من مراسيل ابن أبي عمير، وفيها الإرسال عن غير واحد: >وقد قدّمنا القول في مراسيل ابن أبي عمير غير مرّة، وتخيّل أنّ مثل هذا الإرسال لا يضرّ بالحال على تقدير التوقّف في مراسيل ابن أبي عمير نظراً إلى قوله: عن غير واحد، يدفعه أنّ غير الواحد مع عدم التوثيق والمدح لا يفيد حكماً
الأمر الأوّل: أنّ >غير واحد< في اللغة وإن كانت تطلق على الإثنين، إلاّ أنّه لا إشكال في أنّ المقصود من مثل هذا التعبير الجمع، بل قال التقي المجلسيS: >لكنّه يطلق عرفاً على جماعةٍ كثيرةهذا التعبير إنّما يصح فيما إذا كان راوي الخبر كثيرين، ولا يُطلق عند كون راويه واحداً أو اثنين كما هو المتفاهم العرفي من مثله في زماننا هذا، فإنّ فقيهاً إذا كتب في كتابه أنّ القول الكذائي قال به غير واحد من أصحابنا، يستفاد منه لدى العرف أنّه قول قال به كثيرون، وإن كان بحسب المفهوم اللغوي صادقاً على اثنين؛ لأنّه أيضاً غير واحدغير واحد< سنخ كثرة موجبة لتجاوز إشكاليّة الإرسال؛ باعتبار أنّ هذه الواسطة تعبّر عن مجموعة كثيرة من الرواة، فيكون المروي ثابتاً بوضوح عند الراوي، فابن أبي عمير -مثلاً - عندما ينقل عن غير واحد عن الإمام الصادقg، فهو يحكي وضوح ثبوت المضمون عن الإمام الصادقg.
وإلى هذا يرجع قول المقدّس الأردبيليS: >وكذا قوله: عن غير واحد، كأنّه يدل على نقله عن كثير فلا يبعد العمل بهالا يضر إرسالها؛ لأنّ في قوله: عن غير واحد من أصحابه، إشعاراً باستفاضة ذلك عندهإشعاراً بثبوت مدلولها عندهلأنّ الرواية عن غير واحد، مما يؤذن بالاستفاضة، وهي أظهر في الصحة عن الرواية عن الثقة المتحدلعدم تحقق الإرسال بمثل غير واحدأمّا إذا روى الراوي عن غير واحدٍ، فهو كاشف عن كون الرواية معروفة متواترة أو ما يقرب منها عند الرواة، كما أنّ هذا التعبير بعينه دارج اليوم، فتراهم أنّ القضية إذا كانت معروفة يقولون: إنّها مما نقله غير واحد، فمثله خارج عن الإرسالالظاهر في اشتهار الروايةمع ظهور الإرسال عن غير واحد في اشتهار الحديث
الأمر الثاني: ملاحظة حساب الاحتمالات، وهو مرتبط بخصوص بعض الرواة المعلوم مشايخهم، وكون الطابع العامّ فيهم الوثاقة، أو أنّ الطابع العامّ الرواية عن الثقات على تدقيقات رياضية لا يهمّنا التعرّض لها هنا.
وهذا الطريق يمكن أن تُحمل عليه جملة من كلمات السيّد الخوئيS أيضاً، فقد قال تارةً عند الحديث عن مرسلة يونس عن غير واحد: >احتمال أن تكون العدّة بأجمعهم من الضعفاء ضعيف لا يعتنى بمثلهيدلّ على أنّ المروي عنه جماعة كثيرون بحيث لا يحتمل عادة عدم وثاقة واحد منهمفإنّ الإرسال بمثل ما في الرواية من التعبير بالعدة والجماعة وغير واحد ظاهره في عدم انحصار راويها بواحد أو اثنين، ومع كثرة رواته لا تخلو رواته عن الثقة والعدل كما يظهر بوضوح بملاحظة من روى عنه جميللأنّه يرسله عن غير واحد، الظاهر في الجمع الذي أقلّه ثلاثة، وقد تقدّم غير مرّة أنّ احتمال كونهم جميعاً غير ثقات احتمال ضعيف بدرجة يطمئن بخلافه بحساب الاحتمالات؛ لأنّ مجموع مشايخ ابن أبي عمير حوالي أربعمائة راوٍ، ومن الثابت الضعف منهم بدليل معتبر لا يزيدون على خمسة، فيكون احتمال أن يكون المرسَل عنه إذا كان واحد أحد الخمسة 1 / 80، وإذا كانوا ثلاثة: 1 / 512000، وهذا احتمال ضئيل جداً في قبال القطع أو الاطمئنان القوي جداً كما أفاده سيدنا الأستاذS في بعض تحقيقاتهودعوى أنّ الإرسال المذكور كإرسال ابن عمير عن غير واحد من أصحابنا لا يضرّ باعتبارها؛ لأنّ الواسطة بين موسى والإمامg جماعة الأصحاب، لا يمكن المساعدة عليها؛ لأنّ موسى بن القاسم لا يمكن عادةً أن يروي عن الصادقينh بواسطة واحدة، والتعبير بأصحابنا لرعاية طبقتين أو الأزيد من الواسطة، وهذا معناه الإرسال لصدقه مع كون الراوي عن الإمام واحداً لم يثبت وثاقته
[1] استقصاء ا لاعتبار، ج7، ص312.
[2] روضة المتقين، ج8، ص292.
[3] التنقيح (المطبوع ضمن الموسوعة)، ج7، ص149.
[4] مجمع الفائدة والبرهان، ج1، ص148.
[5] المدارك، ج1، ص152.
[6] استقصاء الاعتبار، ج2، ص76.
[7] الحدائق، ج24، ص603.
[8] الرياض، ج1، ص269.
[9] التنقيح (المطبوع ضمن الموسوعة)، ج6، ص98.
[10] المهذب، ج3، ص214.
[11] مصباح المنهاج _ كتاب الطهارة، ج3، ص39.
[12] مصباح المنهاج _ كتاب الطهارة، ج3، ص87.
[13] ولا يخفى أنّ البحث على هذا مبني على القول بحجية الخبر المستفيض، وأنّ رواية الثلاثة فصاعداً من موجبات الوثوق بالصدوق نوعاً، وإلّا فمن يشكك في ذلك يمكن له التشكيك بأصل هذه الطريقة من هذه الجهة.
[14] التنقيح (المطبوع ضمن الموسوعة)، ج7، ص149.
[15] المستند (المطبوع ضمن الموسوعة)، ج12، ص149.
[16] أسس القضاء والشهادات، ص178.
[17] كتاب الخمس، ج1، ص212.
[18] وهذا المعنى يمكن استظهاره من بعض كلمات العلامة المجلسي المنقولة في هامش البحار، ج85، ص272، حيث قال تعليقاً على بعض الأخبار: >وإرسال ابن سنان مع جلالته عن غير واحد يخرجه عن الإرسالوكذا الحسن بن محمد بن سماعة عن غير واحد عن أبان بن عثمان، فقد فسّره في التهذيب في غير موضع بأحمد بن الحسن الميثمي، ومحمد بن أبي حمزة والحسين بن هاشم وعلي بن الحسن بن رباط وصفوان بن يحيى