مفاهيم إشكالية في الوعي الإسلامي المعاصر مفهوم الفن

Поділитися
Вставка
  • Опубліковано 5 жов 2024
  • من أين يأتي الطابع الإشكالي في علاقة الفن بالدين؟
    لا يمكن الحديث عن تناقض أصلي بين طبيعة الدين في ذاته وطبيعة الفن في ذاته، عندما نشير إلى الدين بما هو تجربة ذاتية تعبر عن نزوع الروحي المطلق، وإلى الفن بما هو تجربة ذاتية تصدر عن النزوعات الجمالية للروح. قد يبدو الدين في ذاته توجيهياً بسبب طابعه الأخلاقي، فيما يبدو الفن حراً لا يخضع لموجهات من خارج الروح. ولكن أخلاق الدين في ذاته هي الأخلاق الكلية المشتركة، وهي بعينها أخلاق الروح بطبيعتها الواسعة التي لا تناقض الحرية. والمعنى أن طبيعة الدين تتقاطع مع طبيعة الفن عند أشواق الروح التي هي أخلاقية وحرة معاً.
    لكن مصطلح الدين في الواقع الاجتماعي السائد لا يشير إلى هذا المعنى الذاتي، بل إلى الديانة كصيغة تدين جماعي ملزمة ذات خصائص سلطوية، أي إلى مدونة فقهية تكليفية واسعة، وبهذا المعنى التاريخي هناك بالفعل خصومة واضحة بين الدين والفنون. أتكلم تحديداً عن نسق التدين الكتابي خصوصاً في اليهودية الكلاسيكية والإسلام الفقهي. أما المسيحية فقد عرفت هذا الموقف المتزمت في العصور الوسطى بتأثيرات يهودية وربما إسلامية، ولكنها عادت فتجاوزته لاحقاً إلى موقف متصالح مع الفنون التي أقرت بتوظيفها في خدمة الغرض الديني (كانت قد ظهرت مبكراً آراء تحرم الصور والتماثيل بوصفها أفعالاً وثنية، وتطورت المسألة إلى تيارين متقابلين فيما يعرف بحرب الأيقونات التي استمرت حتى القرن التاسع. وكان المجمع المسكوني السابع (787م) على غرار مجمع نيقية (325م) قد أيد موقف المدافعين عن (الأيقونات).
    في اليهودية الكلاسيكية يمكن فهم الموقف المتزمت من التصوير ونحت التماثيل في السياق الصراعي الذي تشكلت فيه الديانة بالتداخل أو بالتماهي الكامل مع تشكل الشعب العبري. سلسلة متواصلة من المواجهات مع القوى والثقافات والديانات والآلهة التي ازدحمت بها المنطقة شرقي المتوسط (مصرية/ كنعانية/ آشورية/ بابلية/ يونانية). في سفر التثنية في القرن الثامن ق.م (ملعون الإنسان الذى يصنع تمثالاً منحوتاً أو مسبوكاً) كانت تماثيل الآلهة الكنعانية (بعل) والآشورية والبابلية توضع داخل المعبد وتزاحم عبادة يهوه. وفي حرب الأنبياء والكهنة ضد الآلهة (الأجنبية) تبلور مفهوم الإله الحصري، وولد مفهوم (الوثنية) بمعناه الاستهجائي الذي سيدخل قاموس التدين التوحيدي.
    في الإسلام الفقهي يتبنى (الجمهور) موقفاً تقليدياً بتحريم النحت والتصوير والغناء والموسيقى. وهو موقف يعكس المزاج الثقافي السائد في مدرسة الحديث بنزوعاتها النقلية الضيقة التي هيمنت على مجمل المدونة الفقهية، ومن ثم على مجمل الثقافة الدينية.
    لا يستند الجمهور إلى آيات صريحة في النص التأسيسي (القرآن)، إلا أنه يتأول بعض الآيات لتصب في اتجاه التحريم. وهو يعتمد بشكل أساسي على روايات آحادية منسوبة إلى الرسول أو الصحابة أو التابعين (السلف الصالح).
    في مقابل الجمهور تظهر بعض الآراء الفقهية المعارضة للتحريم كما، نقرأ -مثلاً- عند ابن حزم، والقرطبي، والقرافي من المالكية. ويستند هذا الموقف إلى آليتين أساسيتين: 1- تضعيف الأحاديث (موقف ابن حزم في إباحة السماع/ الغناء. بالنسبة له لم يصح حديث واحد في تحريم السماع). 2-تأويل الأحاديث: أي صرفها عن معناها الظاهر وقراءتها على ضوء العلة (موقف القرطبي في إباحة الغناء، إذ اللهو المذموم هو لهو المجون والغرائز الشهوية/ موقف القرافي في إباحة التصوير والنحت استناداً إلى انتفاء علة التحريم وهي تقديس الآلهة الوثنية).
    الزخم الإشكالي للمسألة يبدو ظاهراً في السياق الإسلامي الراهن، بسبب تفاقم التيارات الأصولية. ينزع الموقف الأصولي إلى تبني الخيار الفقهي الأكثر تشدداً، وهو ما يضعه دائماً في حالة تنافر مع نمط التدين الشعبي الدارج. تعبر الأصولية أساساً عن موقف نقدي مثالي مضاد للسياق العام، وتنظر إلى الممارسات الشعبية كنمط تدين فج ومتساهل أو منحرف عن النموذج المكتوب. في المقابل تنطلق الممارسات الشعبية من أرض الواقع العملي، التي تحكمها قوانين الطبيعة وغرائز الأفراد. ومن ثم فهي -قياساً إلى النموذج النظري- أكثر استيعاباً لتمايزات التعدد وحاجات الذات. وهي تشعر بالطابع الأحادي المتزمت للموقف الأصولي وإيقاعه التكليفي الخشن المخاصم للعفوية والتنوع.
    من هنا تظهر الطبيعة الحقيقية للمشكل، لسنا حيال مسألة فقهية بل قبل فقهية: النزوعات تفرض نفسها في الواقع بما هي غريزية أي طبيعية. وتفرض الفنون حضورها على الرغم من وجود المدونة الفقهية. ودون إعلان عن رفض المدونة يمارس الناس الفنون دون شعور بالإثم. الموقف الشعبي هنا ينتج تأويله الخاص بما يتماشى مع إحساسه الداخلي بأن التحريم ليس حكماً إلهياً. وهذا موقف يضع التدين الشعبي في موقع مقابل للمدونة، وهو دور فاعل في العملية الدينية، أكبر من دور المتلقي السلبي المفترض. الموقف الشعبي عادة ما يطلب الفتوى، ولكنه يتمثلها وغالباً ما يعيد تأويلها. وهو بوجه عام، يمارس حيال المدونة عمليات متنوعة من التكييف وإعادة التكيف قد تشمل الالتفاف، أو الانتقاء، أو التحوير، أو التبرير، أو الترحيل، أو التجميع بغرض التوفيق بين فكرة الإلزام كما تطرحها المدونة، وحاجاته الطبيعية التي تحركها الغرائز وضرورات الواقع العملية.
    الدين بما هو مطلق كلي لا يتناقض مع الفن.
    الدين بما هو مدونة فقهية تاريخية يتناقض مع الفن.
    التدين الشعبي يتكفل بحل مشكل التناقض بالتوفيق بين تكاليف المدونة والنزوعات الطبيعية نحو الفن.
    فيما تريد الأصولية حل المشكل بنفي النزوعات الطبيعية.

КОМЕНТАРІ •