التفريغ النّصّي: الحمد لله ربّ العالمين، صلّى الله وسلّم على نبيّنا محمّد وعلى آله وأصحابه أجمعين. أمّا بعد فإنّ الله بعث نبيّه محمّدا صلّى الله عليه وسلّم برسالته إلى النّاس فدعا إلى الله وجاهد في سبيل الله منذ أن بعثه الله إلى قُبيل فتح مكّة في السّنة الثامنة من الهجرة وهو يدعو ويجاهد في سبيل الله عزّ وجلّ، قد نصره الله في مغازيه وفي سراياه، وقد يحصل عليه وعلى أصحابه بعض الهزائم أو النّكبات في هذه الفترة، وكان قبل ذلك يدعو إلى الله في مكّة دعاءً مجرّدًا ليس معه جهاد لأنّ حالة المسلمين في مكّة لا تتحمّل الجهاد، فكان مُقتصرًا على الدّعوة إلى الله رُغم ما يلقى من المُعارضات ومن التّهديدات ومن المُضايقات لكن لم ييأس، فكان يَعْرِض نفسه على القبائل في منازلهم في مِنًى وقت الحجّ، يدعوهم إلى الله ويقرأ عليهم القرآن، يُبَلّغُهم رسالة ربّه عزّ وجلّ، أمّا أهل مكّة فكانوا مُعادين له أشدّ العداوة ومُنابِذِينَ له أشدّ المُنابذة إلّا من أسلم منه، لكنّه صبر صلّى الله عليه وسلّم واستمرّ في الدّعوة إلى الله، وكان عمّه أبو لهب يُتابعه ويُكذّبه، يمشي خلفه إذا ذهب يدعو النّاس ويقول لهم: "لا تُصَدّقوه، فإنّه كذّاب" هكذا كان يفعل مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكذلك امرأته أمّ جميل بنت حرب ابن أميّة أخت أبي سُفيان كانت تقف من الرّسول صلّى الله عليه وسلّم موقف العداء والأذى، وتُسَمّيه "مُذَمَّمًا" بدل محمّداً. ذات يوم، صعد (الرّسول صلّى الله عليه وسلّم) الجبل فنادى: "يا صباحاه"، على عادة العرب أنّهم إذا داهمهم أمر، يُنادي مُناد ثمّ يجتمعون عليه ثمّ يُعطيهم الخبر الذي نادى من أجله، فاجتمع عليه أهل مكّة وفيهم أبو لهب، فقالَ: أرَأَيْتُمْ لو أخْبَرْتُكُمْ أنَّ العَدُوَّ يُصَبِّحُكُمْ أوْ يُمَسِّيكُمْ، أما كُنْتُمْ تُصَدِّقُونِي؟ قالوا: بَلَى، قالَ: فإنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ فَقالَ أبو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ، ألِهذا جَمَعْتَنَا؟ فأنْزَلَ اللَّهُ "تبّت يدا أبي لهبٍ" (حديث صحيح) ﴿ تَبَّتْ يَدا أبي لَهَبٍ ﴾ أي خسِرَتْ وخابَتْ، ومعناه أنّه خسِر ولكِنّه عبّر باليدين لأنّهما أداة الكسب والاكتساب، وإلّا فالتّباب والخسار عائد إليه، فالتّباب معناه الخسار والهلاك. ﴿ وتَبَّ (1) ﴾ أي خَسِر وهلك. "أبو لهب" كُنْيَتُه، وأمّا اسمُه: عبد العُزّى بن عبد المُطّلب. والعُزّى صنمُ أهلِ مكّة، وكُنّيَ أبا لهب لأنّه كان وضيء الوجه جميلا، فسُمّيَ أبا لهب تشبيها له بلهب النّار من حُمرته. قال الله جلّ وعلا ﴿ تَبَّتْ يَدا أبي لَهَبٍ ﴾ مقابل قوله للرّسول صلّى الله عليه وسلّم: "تبّا لك ألهذا جمعتنا؟" فصار التّباب عليه هو لا على الرّسول صلّى الله عليه وسلّم. ﴿ تَبَّتْ يَدا أبي لَهَبٍ ﴾ هذا دعاء عليه بالهلاك والخسار، ثمّ أخبر جلّ وعلا عنه فقال: ﴿ وتَبَّ (1) ﴾ يعني خسر وخاب وهلك. فهذه الآية فيها دعاء وفيها خبر، الدّعاء في قوله: ﴿ تَبَّتْ يَدا أبي لَهَبٍ ﴾ والخبر في قوله ﴿ وتَبَّ (1) ﴾. ﴿ ما أعْنَى عَنْهُ مَالُهُ وما كَسَب (2) ﴾ له مال وله كَسْب، لكنّه لا ينفعه ذلك ما دام على الكُفر، فإنّ الكافر لا ينفعه مالُه مهما بلغ، ولا ينفعه ولدُه مهما كثُر ﴿ فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55) ﴾ (سورة التوبة) فلم ينفعه مالُه ﴿ ما أعْنَى عَنْهُ مَالُهُ وما كَسَب (2) ﴾ من المكاسب الكثيرة لأنّه كان غنيّا لكنّ هذا الغِنى لا يُنْجيه من عذاب الله سبحانه وتعالى لمّا كفر بالله وعاند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ثمّ أخبر الله جلّ وعلا خبرًا آخر فقال: ﴿ سَيَصْلى نارًا ذاتَ لَهَبٍ (3) ﴾ وفي قِراءةٍ ﴿ سَيُصْلى نَارًا﴾ أي يُقاسي من عذابها وحَرِّها (في الآخرة) ﴿ ذَاتَ لَهَبٍ (3) ﴾ شديدة الالتهاب، يكفي في عذابها وشِدّتها أنّها نار، ولكن مع هذا قال: ذات لهب! لأنّ النّار قد تنطفي، لكنّ هذه (أي نار الآخرة) تتلهّب، ذات لهب. ﴿ وَ امْرَأَتَهُ حَمَّالةَ الحَطَبِ (4) ﴾ "وَ امْرأتَهُ" أي وَ تَبَّتْ امْرَأَتُه مثله، "حَمّالَةَ الحَطَب" معناه أنّها كانت تمشي بالنّميمة، وقيل أنّها كانت تجمع الحطب والشّوك وتُلْقيه في طريق الرّسول صلّى الله عليه وسلّم لِتُؤْذِيَه بذلك. ﴿ في جِيدِها حَبْلٌ منْ مَّسَد (5) ﴾ "في جيدِها" أي عُنُقِهَا، يكون في جيدِها يوم القيامة "حَبْلٌ" أي قِلادة من النّار. "من مَّسَد" المَسد في اللّغة: ليف النّخل، ولكنّ المراد هنا أنّه مسد من النّار تُعَذَّبُ به. جمع الله لهما من أنواع العذاب لأنّهما كانا يُؤذيان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وهذا من المُعجزات لأنّ الله أخبر أنّهما خابا وخسِرا وتَبَّا وأخبر أنّ أبا لهب سيصلى نارًا ذات لهب هو و امرأته فَلَمْ يُسْلِما وَمَاتَا على الكُفر فتحقّق فيهما هذا الوعيد الشّديد في مقابل موقفهما من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهكذا كلّ من آذى الرّسول صلّى الله عليه وسلّم أو تنقّص الرّسول فإنّه سيلقى هذا المصير يوم القيامة لأنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم يُحْتَرَمُ جَنَابُه ويُعَظَّم ويُدافَعُ عنه عليه الصّلاة والسّلام، فَكُلُّ من تناول الرّسول (صلّى الله عليه وسلّم) أو تنقّص الرّسول (صلّى الله عليه وسلّم) فله نصيب من هذا الذّم وهذا الوعيد.
الله يجزاك خير ، وما قصرت 🌹
اهل الدكر والعلم
جزاك الله خيرا
التفريغ النّصّي:
الحمد لله ربّ العالمين، صلّى الله وسلّم على نبيّنا محمّد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أمّا بعد
فإنّ الله بعث نبيّه محمّدا صلّى الله عليه وسلّم برسالته إلى النّاس فدعا إلى الله وجاهد في سبيل الله منذ أن بعثه الله إلى قُبيل فتح مكّة في السّنة الثامنة من الهجرة وهو يدعو ويجاهد في سبيل الله عزّ وجلّ، قد نصره الله في مغازيه وفي سراياه، وقد يحصل عليه وعلى أصحابه بعض الهزائم أو النّكبات في هذه الفترة، وكان قبل ذلك يدعو إلى الله في مكّة دعاءً مجرّدًا ليس معه جهاد لأنّ حالة المسلمين في مكّة لا تتحمّل الجهاد، فكان مُقتصرًا على الدّعوة إلى الله رُغم ما يلقى من المُعارضات ومن التّهديدات ومن المُضايقات لكن لم ييأس، فكان يَعْرِض نفسه على القبائل في منازلهم في مِنًى وقت الحجّ، يدعوهم إلى الله ويقرأ عليهم القرآن، يُبَلّغُهم رسالة ربّه عزّ وجلّ، أمّا أهل مكّة فكانوا مُعادين له أشدّ العداوة ومُنابِذِينَ له أشدّ المُنابذة إلّا من أسلم منه، لكنّه صبر صلّى الله عليه وسلّم واستمرّ في الدّعوة إلى الله، وكان عمّه أبو لهب يُتابعه ويُكذّبه، يمشي خلفه إذا ذهب يدعو النّاس ويقول لهم: "لا تُصَدّقوه، فإنّه كذّاب" هكذا كان يفعل مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكذلك امرأته أمّ جميل بنت حرب ابن أميّة أخت أبي سُفيان كانت تقف من الرّسول صلّى الله عليه وسلّم موقف العداء والأذى، وتُسَمّيه "مُذَمَّمًا" بدل محمّداً.
ذات يوم، صعد (الرّسول صلّى الله عليه وسلّم) الجبل فنادى: "يا صباحاه"، على عادة العرب أنّهم إذا داهمهم أمر، يُنادي مُناد ثمّ يجتمعون عليه ثمّ يُعطيهم الخبر الذي نادى من أجله، فاجتمع عليه أهل مكّة وفيهم أبو لهب، فقالَ: أرَأَيْتُمْ لو أخْبَرْتُكُمْ أنَّ العَدُوَّ يُصَبِّحُكُمْ أوْ يُمَسِّيكُمْ، أما كُنْتُمْ تُصَدِّقُونِي؟ قالوا: بَلَى، قالَ: فإنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ فَقالَ أبو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ، ألِهذا جَمَعْتَنَا؟ فأنْزَلَ اللَّهُ "تبّت يدا أبي لهبٍ" (حديث صحيح)
﴿ تَبَّتْ يَدا أبي لَهَبٍ ﴾ أي خسِرَتْ وخابَتْ، ومعناه أنّه خسِر ولكِنّه عبّر باليدين لأنّهما أداة الكسب والاكتساب، وإلّا فالتّباب والخسار عائد إليه، فالتّباب معناه الخسار والهلاك. ﴿ وتَبَّ (1) ﴾ أي خَسِر وهلك. "أبو لهب" كُنْيَتُه، وأمّا اسمُه: عبد العُزّى بن عبد المُطّلب. والعُزّى صنمُ أهلِ مكّة، وكُنّيَ أبا لهب لأنّه كان وضيء الوجه جميلا، فسُمّيَ أبا لهب تشبيها له بلهب النّار من حُمرته. قال الله جلّ وعلا ﴿ تَبَّتْ يَدا أبي لَهَبٍ ﴾ مقابل قوله للرّسول صلّى الله عليه وسلّم: "تبّا لك ألهذا جمعتنا؟" فصار التّباب عليه هو لا على الرّسول صلّى الله عليه وسلّم. ﴿ تَبَّتْ يَدا أبي لَهَبٍ ﴾ هذا دعاء عليه بالهلاك والخسار، ثمّ أخبر جلّ وعلا عنه فقال: ﴿ وتَبَّ (1) ﴾ يعني خسر وخاب وهلك. فهذه الآية فيها دعاء وفيها خبر، الدّعاء في قوله: ﴿ تَبَّتْ يَدا أبي لَهَبٍ ﴾ والخبر في قوله ﴿ وتَبَّ (1) ﴾.
﴿ ما أعْنَى عَنْهُ مَالُهُ وما كَسَب (2) ﴾ له مال وله كَسْب، لكنّه لا ينفعه ذلك ما دام على الكُفر، فإنّ الكافر لا ينفعه مالُه مهما بلغ، ولا ينفعه ولدُه مهما كثُر ﴿ فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55) ﴾ (سورة التوبة) فلم ينفعه مالُه ﴿ ما أعْنَى عَنْهُ مَالُهُ وما كَسَب (2) ﴾ من المكاسب الكثيرة لأنّه كان غنيّا لكنّ هذا الغِنى لا يُنْجيه من عذاب الله سبحانه وتعالى لمّا كفر بالله وعاند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ثمّ أخبر الله جلّ وعلا خبرًا آخر فقال:
﴿ سَيَصْلى نارًا ذاتَ لَهَبٍ (3) ﴾ وفي قِراءةٍ ﴿ سَيُصْلى نَارًا﴾ أي يُقاسي من عذابها وحَرِّها (في الآخرة) ﴿ ذَاتَ لَهَبٍ (3) ﴾ شديدة الالتهاب، يكفي في عذابها وشِدّتها أنّها نار، ولكن مع هذا قال: ذات لهب! لأنّ النّار قد تنطفي، لكنّ هذه (أي نار الآخرة) تتلهّب، ذات لهب.
﴿ وَ امْرَأَتَهُ حَمَّالةَ الحَطَبِ (4) ﴾ "وَ امْرأتَهُ" أي وَ تَبَّتْ امْرَأَتُه مثله، "حَمّالَةَ الحَطَب" معناه أنّها كانت تمشي بالنّميمة، وقيل أنّها كانت تجمع الحطب والشّوك وتُلْقيه في طريق الرّسول صلّى الله عليه وسلّم لِتُؤْذِيَه بذلك.
﴿ في جِيدِها حَبْلٌ منْ مَّسَد (5) ﴾ "في جيدِها" أي عُنُقِهَا، يكون في جيدِها يوم القيامة "حَبْلٌ" أي قِلادة من النّار. "من مَّسَد" المَسد في اللّغة: ليف النّخل، ولكنّ المراد هنا أنّه مسد من النّار تُعَذَّبُ به. جمع الله لهما من أنواع العذاب لأنّهما كانا يُؤذيان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وهذا من المُعجزات لأنّ الله أخبر أنّهما خابا وخسِرا وتَبَّا وأخبر أنّ أبا لهب سيصلى نارًا ذات لهب هو و امرأته فَلَمْ يُسْلِما وَمَاتَا على الكُفر فتحقّق فيهما هذا الوعيد الشّديد في مقابل موقفهما من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهكذا كلّ من آذى الرّسول صلّى الله عليه وسلّم أو تنقّص الرّسول فإنّه سيلقى هذا المصير يوم القيامة لأنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم يُحْتَرَمُ جَنَابُه ويُعَظَّم ويُدافَعُ عنه عليه الصّلاة والسّلام، فَكُلُّ من تناول الرّسول (صلّى الله عليه وسلّم) أو تنقّص الرّسول (صلّى الله عليه وسلّم) فله نصيب من هذا الذّم وهذا الوعيد.
جزاك الله خيرا