خِطابٌ إِلَى المُجْتَمَعِ الدُّوَلِيِّ: جَريمَةُ العِقابِ الجَماعِيِّ واستِمرارُ الاحْتِلالِ الإسْرائِيلِيِّ فِي نَصْبِ البَواباتِ الحَدِيدِيَّةِ فِي الضِّفَّةِ الغَرْبِيَّةِ
أيُّهَا السَّادَةُ،
أُخاطِبُكُمْ اليَومَ بِاسْمِ الشَّعْبِ الفِلَسْطِينِيِّ الَّذِي يَتَعَرَّضُ يَوْمِيًّا لِانْتِهاكاتٍ صارِخَةٍ تُرْتَكَبُ فِي وَضَحِ النَّهارِ، فِي تَحَدٍّ واضِحٍ لِكُلِّ الأَعْرافِ والقَوانِينِ الدُّوَلِيَّةِ. إِنَّ سِياسَةَ الاحْتِلالِ الإسْرائِيلِيِّ المُمنْهَجَةَ، الَّتِي تَتَجَسَّدُ فِي نَصْبِ البَواباتِ الحَدِيدِيَّةِ عَلَى مَداخِلِ القُرَى والبَلْداتِ فِي الضِّفَّةِ الغَرْبِيَّةِ، لَيْسَتْ إِلَّا واحِدَةً مِنَ الأَدَواتِ الإِجْرامِيَّةِ الَّتِي يَسْتَخْدِمُها الاحْتِلالُ ضِمْنَ سِياسَةِ العِقابِ الجَماعِيِّ والتَّضْييقِ عَلَى الفِلَسْطِينِيِّينَ، بِهَدَفِ تَقْطِيعِ أَوْصالِ الضِّفَّةِ وتَحْوِيلِها إِلَى جُزُرٍ مُعَزَّلَةٍ ومَحاصَرَةٍ.
هَذِهِ البَواباتُ الحَدِيدِيَّةُ، الَّتِي تُنْصَبُ تَحْتَ ذَرائِعَ واهِيَةٍ، لَيْسَتْ مُجَرَّدَ حَواجِزَ مادِّيَّةٍ، بَلْ أَدَواتٌ لِلتَّنْكِيلِ والإِذْلالِ. فَالجُنودُ يَتَحَكَّمُونَ بِفَتْحِها وإِغْلاقِها وَفْقَ أَمْزِجَتِهِمْ، مِمَّا يَحْرِمُ السُّكّانَ مِنْ أَبْسَطِ حُقوقِهِمْ فِي التَّنَقُّلِ بِحُرِّيَّةٍ، ويُعيقُ وُصُولَهُمْ إِلَى أَمَاكِنِ عَمَلِهِمْ ومَدارِسِهِمْ ومُسْتَشْفَياتِهِمْ. إِنَّ هَذا السُّلُوكَ لا يَعْدُو كَوْنَهُ انْتِهاكًا صارِخًا لِلمادَّةِ 13 مِنَ الإِعْلانِ العالَمِيِّ لِحُقوقِ الإِنْسانِ، الَّتِي تَكْفَلُ حُرِّيَةَ التَّنَقُّلِ، ولِلمادَّةِ 33 مِنْ اتِّفاقِيَّةِ جِنيفَ الرَّابِعَةِ، الَّتِي تَحْظُرُ العِقابَ الجَماعِيَّ بِشَكْلٍ قاطِعٍ.
أيُّهَا المُجْتَمَعُ الدُّوَلِيُّ،
إِنَّ نَصْبَ البَواباتِ الحَدِيدِيَّةِ، إِلى جانِبِ المُكَعَّباتِ الإِسْمَنْتِيَّةِ والسَّواتِرِ التُّرابِيَّةِ، يُمَثِّلُ جُزْءًا مِنْ سِياسَةٍ أَوْسَعَ تَشْمَلُ عَزْلَ المُدُنِ والقُرَى الفِلَسْطِينِيَّةِ وفَرْضَ الحِصارِ عَلَيْها مُنْذُ تَصاعُدِ العُدْوانِ الإِسْرائِيلِيِّ فِي أُكْتُوبَرَ 2023. هَذِهِ السِّياساتُ لَيْسَتْ إِجْراءاتٍ أَمْنِيَّةً كَما يُرَوِّجُ الاحْتِلالُ، بَلْ هِيَ جَرائِمُ مُمنْهَجَةٌ تَهْدِفُ إِلى تَكْرِيسِ الاحْتِلالِ وتَرْسِيخِ نِظامِ الفَصْلِ العُنْصُرِيِّ (الأَبارْتَهايد) فِي فِلَسْطِين.
إِنَّ هَذِهِ الجَرائِمَ تُرْتَكَبُ يَوْمِيًّا أَمامَ أَنْظارِ العالَمِ، بَيْنَما يَقِفُ المُجْتَمَعُ الدُّوَلِيُّ صامِتًا، مُكْتَفِيًا بِبَياناتِ الإِدانَةِ الَّتِي لا تَرْدَعُ الاحْتِلالَ عَنْ مُمارَساتِهِ. إِنَّ اسْتِمْرارَ هَذا الصَّمْتِ يُمْنَحُ الاحْتِلالَ ضَوْءًا أَخْضَرَ لِارْتِكابِ المَزيدِ مِنَ الجَرائِمِ بِحَقِّ الشَّعْبِ الفِلَسْطِينِيِّ الأَعْزَلِ.
لِذا، نُطالِبُكُمْ اليَومَ بِتَحَمُّلِ مَسْؤولِيّاتِكُمْ القانُونِيَّةِ والأَخْلاقِيَّةِ. عَلَيْكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا إِجْراءاتٍ فَوْرِيَّةً وحازِمَةً لِوَقْفِ هَذِهِ الانْتِهاكاتِ، بِما فِي ذَلِكَ:
فَرْضُ عُقوباتٍ دُوَلِيَّةٍ عَلَى الاحْتِلالِ الإِسْرائِيلِيِّ، تَماشِيًا مَعَ ما تَنْصُّ عَلَيْهِ القَوانِينُ الدُّوَلِيَّةُ.
مُحاسَبَةُ المَسْؤولِينَ الإِسْرائِيلِيِّينَ عَنْ جَرائِمِهِمْ أَمامَ المَحاكِمِ الدُّوَلِيَّةِ المُخْتَصَّةِ، بِاعْتِبارِ هَذِهِ السِّياساتِ جَرائِمَ حَرْبٍ وجَريمَةً ضِدَّ الإِنْسانِيَّةِ.
الضَّغْطُ مِنْ أَجْلِ رَفْعِ الحِصارِ المَفْروضِ عَلَى الضِّفَّةِ الغَرْبِيَّةِ والقُدْسِ المُحْتَلَّةِ، وضَمانُ حُرِّيَّةِ التَّنَقُّلِ لِلْفِلَسْطِينِيِّينَ.
إِنَّ اسْتِمْرارَ هَذِهِ الانْتِهاكاتِ يُعَرِّضُ السِّلْمَ والأَمْنَ الدُّوَلِيَّيْنِ لِلْخَطَرِ، ويُعَمِّقُ مِنْ مُعاناةِ الشَّعْبِ الفِلَسْطِينِيِّ، الَّذِي لَنْ يَرْضَخَ لِهَذا الظُّلْمِ. لَقَدْ أَثْبَتَ الفِلَسْطِينِيُّونَ عَبْرَ التَّارِيخِ أَنَّهُمْ شَعْبٌ مُقاوِمٌ، مُتَمَسِّكٌ بِأَرْضِهِ وهُوِيَّتِهِ، ولَنْ تَثْنِيَهُمْ بَواباتُ الاحْتِلالِ الحَدِيدِيَّةُ ولا جَبَرُوتُهُ عَنْ نِضالِهِمِ المَشْروعِ مِنْ أَجْلِ الحُرِّيَّةِ والاسْتِقْلالِ.
أيُّهَا السَّادَةُ،
إِنَّ العالَمَ الحُرَّ مُطالَبٌ اليَومَ أَكْثَرَ مِنْ أَيِّ وَقْتٍ مَضَى بِالوُقُوفِ إِلى جانِبِ الحَقِّ والعَدالَةِ. فِلَسْطِينُ لَيْسَتْ وَحْدَها فِي مَعْرَكَتِها ضِدَّ الاحْتِلالِ، بَلْ هِيَ امْتِحانٌ لِإِنْسانِيَّتِكُمْ وَلِقُدْرَةِ القانُونِ الدُّوَلِيِّ عَلَى حِمايَةِ المَظْلُومِينَ.
فِلَسْطِينُ عَرَبِيَّةٌ، وستَبْقَى حُرَّةً أَبِيَّةً مَهْما طالَ الزَّمَنُ ومَهْما اشْتَدَّتِ المُؤامَراتُ.
البروفيسور جَمال حَرْفوش
رَئيسُ مُؤَسَّسَةِ التَّعْلِيمِ العالِي والْبَحْثِ العِلْمِيِّ